في النهاية الكارثة وقعت والجوع لا يقرع الأمعاء فحسب بل سيقتحم الأبواب العالية سواء كانت قديمة أو مستجدة في عملية نهب المال العام، لكن الكارثة الأدهى ان السياسيين والمسؤولين في هذه “الدولة المسيّرة” لا يبحثون عن الحلول بل يفتشون عن الضحايا لتحميلهم مسؤولية ما جنته أيديهم من الفساد المتوحش.
وهكذا في “حكومة الدرون” ليس غريباً ان يقف رئيسها حسان دياب المُغرم بإلقاء الخطابات المسهبة، مرة أخرى: “أيها اللبنانيات واللبنانيون”، لكن المشهد سياسياً بدا كأنه يقف على جمر قلب بيروت، الذي أُحرق ودُمِّر ليس بسبب الجوع على ما كان يعلو الصراخ، بل بسبب الكراهيات الدفينة المتصلة بالفتنة التي ندعو مع الرئيس نبيه بري الى تركها نائمة، لاعنين من يعمل على إيقاظها، ونقرع مع الرئيس ميشال عون أجراس إنذارها!
واللبنانيون في حيرة تماماً أمام وضع مسؤولية الخراب والتخريب دائماً على كلمة “إنهم”، ولكن من هم هؤلاء الأبالسة؟ ليس من الواضح لا تسمية ولا أفادة واضحة، تماماً بما يذكّرنا فعلاً بوقفة القذافي وقوله عندما كانت تشتعل بنغازي: “من أنتم، من أنتم”؟
ولم يتردد دياب في الإعلان ان الحكومة “إنتصرت على المؤامرة” ولكن أي مؤامرة؟ طبعاً لن يسمّي وإن عرف الناس، فنحن في زمن تجهيل الفاعلين دائماً، سواء الذين نهبوا الدولة وأفلسوا البلاد وجوّعوا الناس، أم الذين يحاولون إلقاء المسؤولية على هؤلاء الناس أنفسهم، لكن عليه في النهاية ان يقرر، بالأحرى ان يرطّب ذاكرته قليلاً.
أولم يقل إن حكومة اللون الواحد التي اختير رئيساً لها، إنها حكومة منبثقة من الثورة وتجيء لتلبية مطالب المواطنين والثوار، الذين يطالبون بمحاسبة كل الطقم السياسي الفاسد الذي نهب البلد، ليتبيّن أنها “حكومة خبراء” ليس لها سوى ان تبصم لا ان تقرر، كما تؤكد القرارات الأخيرة التي اتخذت وأثبت عملياً ان هناك في الكواليس السياسية التي هندستها، من يقول لها اليوم: الى اليمين درّ فتدور، وغداً: الى اليسار درّ فتدور، على ما حصل مثلاً في قصة سلعاتا الرائعة جداً، وفي قصة التعيينات العجائبية، وفي فضائح التفاوض المرتجل مع صندوق النقد الدولي، وفي قصة التهريب والمعابر سالكة ومقفلة، شرعية وغير شرعية، وفي معجزة الإصلاح الممنوع! ثم أولم يقلّ بعد أيام ان هذه التظاهرات المستمرة والتي لن تتوقف قط، بسبب العوز والجوع ووحش الفساد الذي يلتهم ما تبقى من جيفة الاقتصاد اللبناني، إنما هي رد من المتضررين على “النجاحات الهائلة” التي حققتها حكومته، عبر خطتها التي قال إنه تم تنفيذ ٩٧٪ من رؤيتها الهائلة التي يعجز خبراء صندوق النقد الدولي عن فهمها بعد ١٤ جلسة مفاوضات! ولكن دائماً “من أنتم من أنتم”… من هم هؤلاء الذين منعوا “التيار الوطني الحر” مثلاً من تنفيذ برنامجه، حرف واحد من شعار الإصلاح والتغيير، مع انه كان الرقم الصعب والمرجح في الحكومات السابقة، والآن من هم الذين يمنعون حكومة دياب، التي شارك التيار في هندستها مع “حزب الله”، الذين يضعون “الحواجز الإسمنتية” [هكذا بالحرف] أمام حكومة الجرافات الطاحشة لإنقاذ البلد؟
لن أذهب الى ما سبق لوليد جنبلاط أن قاله من ان “حسان دياب لا شيء”، أو ما قاله النائب نقولا نحاس من ان “دياب لا وجود له”، لكنني ومع حرصي الشديد على عدم التجني، وعلى عدم المسّ بالشخصي، لا يمكنني فعلاً عندما إستمع تكراراً الى خطابات دياب المسهبة والمنمقة والى تجهيل “المعطّلين”، إلا ان أتذكر كلام جنبلاط عن تقمّص القذافي في مجلس الوزراء، وهو يقول لثوار بنغازي: من أنتم من أنتم سنطاردكم زنقة زنقة… مع اننا كلنا مزنوقون من الشمال الى الجنوب!