راجح الخوري - النهار

القذافي في لبنان؟ – راجح الخوري – النهار

عندما وصلت تغريدة وليد جنبلاط قبل يومين الى المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا، عن أنه كان يظنّ ان معمر القذافي مات لكنه تقمص في مجلس الوزراء اللبناني، إستلقت حتماً على ظهرها من الضحك، ربما لأنّها بدأت تفهم أخيراً، كيف ان خبراء الصندوق الذين يفاوضون هذه الحكومة اللبنانية الواعية حول مساعدة محتملة، لم يتمكّنوا بعد ١٢ جلسة من النقاش من الحصول على رقم يتفق عليه اللبنانيون لديون دولتهم المفلسة وعدد موظفيها!

ربما تذكرت كريستالينا جورجييفا قصة “زنقة زنقة” امام هذه الأرقام الضائعة في غياهب “الكتاب الأخضر” الذي وضعه القذافي، والذي يقول جنبلاط انه يمكن ان نجد فيه كل الحلول مع صندوق النقد، لكن رغم تشكيل لجنة نيابية سعت لتوحيد هذه الأرقام ورغم الإجتماعات في بعبدا لم يتم التوافق، ولهذا أعلن ان أرقام خطة الحكومة ستشكّل منطلقاً “واضحاً” لإستكمال المفاوضات مع صندوق النقد، وهو ما دفع المصرف المركزي الى التحفظ معتبراً ان أرقام الخطة الحكومية ستقود البلاد الى الإنهيار.




وقصّة الخلاف على الأرقام تذكّرنا بتبسيط كلي بأسلوب القذافي في معالجة الأمور، وهي مثل قصة رجل وقع في الديون تكراراً بسبب فساده وبعزفته للأموال وكان يطلب الإستدانة من جاره لتسديد ديونه الى ان وقع في إفلاس قاتل، فلم يكن منه إلا ان إتّهم جاره الذي دينه الأموال بأنه هو الذي تسبب بإفلاسه!

لقد تناوب السياسيون والمسؤولون على نهب الدولة وسرقة المال العام، ومضوا في السمسرات والتوظيف الشعبوي والإهدار الى درجة أنه لم يعد في وسعهم معرفة أين ذهب مبلغ المئة مليار، وكان المصرف المركزي يسدد ديون الدولة عبر أموال المودعين في المصارف، ولكن ها هي الدولة تتهم المصارف بأنها هي التي أفلست البلد، وتحاول السطو على ودائع الناس المتبقية في المصارف!

وعندما تم الإستنجاد بالدول المانحة في المؤتمرات السابقة كما يجري الآن الإستنجاد بصندوق النقد، يأتي الجواب واحداً: الإصلاح الإصلاح، أوقفوا النهب والسرقة والمحاصصة في دولة المسخرة اولاً، ولكن ليس هناك من يسمع ولا هناك في المستوى السياسي الذي نهب البلد من يريد الاعتراف بأنه هو السارق وسيتوقف عن السرقة، ولا تتوانى الدولة في مطالبة الناس الجوعى والذين وقعوا في البطالة بمزيد من التضحية، ولسنا ندري بماذا يمكن الضحية ان تضحي بعد؟

ولعل ما جعل مديرة صندوق النقد تبحث عن القذافي الذي بعث حياً في بيروت، أنها لا تصدق انها تفاوض دولة لا تعرف عدد موظفيها، ولا مقدار ديونها، ولا تبدي أي رغبة عملية في البدء بتنفيذ سياسة إصلاحية حقيقية. وليس من الضروري التوقف عند كلام سليمان فرنجية مثلاً عن التعيينات الوقحة والمحاصصة، ولا عند الهجوم القوي الذي شنه سعد الحريري على ميشال عون وقوله إن “العهد القوي ينافس الرئيس القوي بسرعة الفشل والتخبط والكيدية وخرق الدستور وإثارة العصبيات”، ولا عند قول سمير جعجع إن رد التشكيلات القضائية يشكّل عشر خطوات الى الوراء.

لا داعي للتذكير بان التقرير اليومي الذي يصل من بيروت الى صندوق النقد يشرح كل هذا، وهو ما يعمّق السؤال هناك: وكيف يمكن ان نساعد بلداً لا يستحق المساعدة وهناك من يقول إن القذافي تقمص في حكومته… إنسوا!