
روزانا بومنصف – النهار
سلطت الزيارة التي قام بها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يرافقه النائب تيمور جنبلاط والوزير السابق غازي العريضي الى رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل ان يعود جنبلاط ويلتقي الرئيس سعد الحريري في دارته في كليمنصو الضوء على طبيعة الاتصالات التي جرت ليلة السبت بعدما شارفت الامور في الشارع على فتنة موصوفة. ومع ان اللقاء مع الحريري كان مقررا على نحو سابق لما حصل الا انه شكل حلقة متكاملة من طبيعة الجهود التي بذلت لمنع تطور الامورالخطيرة التي حصلت والتي كادت تنزلق الى فتنة مذهبية فحرب اهلية حكما. وينتظر ان يتم تحصين التهدئة التي حصلت والتي لعب فيها الحريري ودار الفتوى دورا كبيرا جدا كان محل تقدير كبير من الثنائي الشيعي في عملية وأد الفتنة في لقاءات لا يستبعد حصولها في الساعات او الايام القليلة المقبلة بين بري والحريري على الاقل علما ان التواصل الضروري يحصل بين الاخير وقيادات “حزب الله”. واللقاءات المتوقعة ستكون من ضمن اتصالات مفتوحة على ما يبدو لاسيما على خط بري والحريري خصوصا ان التهدئة تحتاج الى صيانة ومتابعة وفق سياسيين مطلعين ومعنيين بالاتصالات التي جرت لئلا تبقى الامور على توترها خصوصا على المستوى الشعبي.
ماذا جرى فعلا في 6 حزيران؟ وهل ان الحزب اساء تقدير حجم الاشارة التي يرغب في توجيهها الى المنتفضين ممن ذكر انهم سيرفعون المطالبة بتنفيذ القرار 1559 منعا من ان يذكر احد هذا القرار الدولي او تفاديا لان تكبر هذه المطالبة وتتبناها القوى السياسية ؟ او ان الامور فلتت من بين يديه على خلفية انه مهما كانت القوة متمكنة فانه من المكابرة القول بان “عناصر غير مضبطة” لا يمكن الا ان تفاقم من حجم الاشارة والمبالغة بها ؟ وكذلك الامر بالنسبة الى خطأ كبير يكمن في اسقاط احتمال دخول عناصر ثالثة على الخط سواء من قوى حليفة او سواها فينزلق الحزب والجميع الى حرب اهلية كاد يشهد لبنان العودة اليها ان من خندق الغميق او من عين الرمانة. وتاليا فان هذا الاحتمال الثالث يكون بمثابة ” فخ” كان سيعتبر الحزب انه نصله واستدرج اليه.
الاجابة عن هذه التساؤلات مرتبطة بواقع انه ومع التوقعات المسبقة لا بل المعرفة المسبقة بان شارع المنتفضين سيواجه بشارع اخر من جانب الحزب، فان الاشارة التي رغب الحزب في توجيهها هي انه لم يكن ليمرر اي مطالبة بالقرار 1559 من دون اظهاره رد فعل على ذلك. ولكن رد الفعل وفق ما ظهر كان اضخم بكثير من حجم المنتفضين ومبالغا فيه وهنا كان التقدير خاطئ. ولكن المدى الذي ذهب اليه رد الفعل ايضا عبر الشتم المذهبي خصوصا فضلا عن التوجه الى عين الرمانة الشياح، احدث مشكلة كبيرة للثنائي الشيعي الذي استنفر اتصالاته ليل السبت في كل الاتجاهات تفاديا للذهاب الى فتنة بعد فلتان خطير لمسه في ما رافق هذا الفلتان. وتاليا فان الاشكالية الكبيرة تمثلت في ان لا حجم التظاهرات كان مقلقا بما يكفي لاثارة ذعر الحزب ولا موضوع المطالبة بالقرار 1559 يستحق ان تذهب الامور الى الحدود الخطيرة التي ذهبت اليه. وتاليا فان المكاسب مشكوك بها في ظل هذا الواقع. لكن الخلاصات التي ادت اليها التطورات في 6 حزيران كشفت مجموعة امور اضافية.
ان لبنان اجتاز قطوعا كبيرا انما في غياب مرجعية سلطوية هي السلطة التنفيذية سيما وان الجيش تحرك ويتحرك وحده في محطات مماثلة فيما انه لم يسمع احد ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اجرى اتصالات باحد في سياق التهديد الخطير الذي يواجهه عهده فيما لو اضيف الانهيار الامني الى الانهيار السياسي والاقتصادي والمالي الحاصل وكان له فقط موقف تحذيري من عودة الحرب الاهلية. ولم يسمع احد كذلك بان رئيس الحكومة اجرى اتصالات باي مسؤول حزبي او سياسي في هذا الاطار علما ان جزءا مما حصل في الشارع تقع مسؤوليته على افرقاء مشاركين في الحكومة ايضا فيما ان الحكومة مسؤولة عن انفجار البلد لو حصل وبذل الجهود لمنع هذا الانفجار. فما حصل لا يعالج ببيانات او تغريدات او كما لو ان جزءا من البلد يتفرج على واقع احتمال نشوب فتنة مذهبية بين الشيعة والسنة. وهذا جانب يكشف ان حكومة ” التكنوقراط” التي تتحصن بذلك على قاعدة انها ليست حكومة مواجهة سياسية كما يكرر رئيسها، انما يعني انها لن تكون اكثر فاكثر على مستوى التحديات في المرحلة المقبلة. فهناك من جهة مشهد عن بلد مشلع سياسيا على خلفية مواقف ادت الى ذلك منذ بضع سنوات ومستمرة حتى الان، وهو غير ممسوك من حكومة قادرة وتحظى بالثقة في ظل عدم تلاقي القوى السياسية على الحد الادنى من التفاهمات وعدم تمثيل الحكومة سوى لجزء من القوى السياسية وليس لجميع القوى وتاليا لجميع اللبنانيين. وذلك اضافة الى غياب حكم جامع للقوى السياسية او على تفاهم معها. وهناك من جهة اخرى اشهر صعبة جدا يقبل عليها لبنان قبل موعد الانتخابات الاميركية في تشرين الثاني والرهانات الكبيرة على الصمود قبل ذلك وتجاوزها لاحقا بحيث يخشى من فوضى ستستمر باشكال مختلفة. وذلك علما ان لبنان مرتبط ايضا بسوريا بحيث سيطاوله التضييق كما يطاولها ايضا فيما سيجري الكثير جدا من التطورات قبل انتخاباتها الرئاسية في السنة المقبلة علما ان الطموحات الرئاسية في لبنان تشعل الخلافات والصراعات اكثر فاكثر والاحتدامات جنبا الى جنب الى تعزيز افرقاء اوراقهم ايا تكن الاثمان على البلد واللبنانيين.