الفرزلي: دعوتي إلى تغيير الحكومة تنطلق من طبيعة التحديات

ابراهيم بيرم – النهار

اكثر من أي وقت مضى، يكبر الكلام عن حلول أوان ترحيل الحكومة الحالية برئاسة حسان دياب وضرورة البحث عن سبل لاستيلاد حكومة جديدة تلبي أمرين:




– أن تكون وحدة وطنية على غرار الحكومات السابقة أي تضم بين جنباتها كل ألوان الطيف السياسي، وهذا كان في السابق عرفا اتبع، لكنه صار في الآونة الأخيرة ولا سيما بعد التطورات الاقليمية حاجة وطنية ملحة.

– أن تكون حكومة على حجم كل التحديات وما أكثرها،لا سيما بعدما أظهرت الحكومة الراهنة قصورا في مكان وتهاونا في مكان آخر.

الأكيد أن من يهجس بالدعوة إلى فرط عقد الحكومة الحالية والتوجه نحو حكومة جديدة هم أكثر في خارجها في خانة المعارضين، ولكن الراصد للمسار السياسي يستنتج بسهولة أن دعوة هؤلاء للتغيير والتبديل ظلت خجولة إلى حد تكاد لا تسمع، لا سيما أن ثلاثي المعارضة الأشرس والأوزن حضورا أي تيار “المستقبل” وحزب “القوات اللبنانية” والحزب التقدمي الاشتراكي والذي يفترض فيه أن يحمل راية المعارضة والدعوة إلى إحداث التغيير حالت دون اندفاعته إلى الامام بشكل جدي معطيات عدة فرضت نفسها على المشهد السياسي وفي مقدمها:

– عجز القوى الثلاث مجتمعة عن المضي نحو إقامة جبهة معارضة موحدة تضع برنامجا عمليا واضحا ومقنعا، اذ كما صار معلوما تعثرت في مستهلها كل المحاولات التي تطوع لبذلها التقدمي بغية الجمع بين “القوات و”المستقبل” تحت ذريعة أن التطورات والتداعيات المتسارعة تفرض عليهما أن يتجاوزا خلافاتهما الموروثة من أيام الانتخابات النيابية وما بعدها ابان تأليف الحكومة السابقة.

إلى جانب ذلك، فإن ثمة قناعة عند مناصري الحكومة الحالية ومعارضيها على حد سواء، بأن الأسباب الداخلية والخارجية التي دفعت الرئيس سعد الحريري المؤهل لتولي سدة الرئاسة الثالثة للتخلي والانكفاء في حينه ما زالت ماثلة وربما إلى أجل غير مسمى.

– ولا ريب أيضا أن القوى الثلاث مجتمعة ومعها كل القوى المعارضة عاجزة عن اجتراح فعل انقاذي غير الفعل الذي أقدمت عليه حكومة الرئيس دياب، ان لجهة وضع خطة التعافي الاقتصادي أو لجهة الشروع في رحلة مفاوضات مع صندوق النقد الدولي بغية استجرار قروض منه إلى الاجراءات والتدابير الاخرى التي لجأت إليها.

وثمة بطبيعة الحال سبب مضمر آخر يدفع المعارضين إلى البقاء خارج إطار محاولة الاقدام على مواجهة مفصلية مع الحكومة الحالية، وهو شعورهم بأنه يتعين انتظار المزيد من الوقت لكي تغرق الحكومة بخيباتها وعجزها.

وعليه، فإن السؤال المطروح هل أن القوى التي ينظر إليها على اساس أنها “الحاضنة” السياسية للحكومة وهي بشكل رئيسي”حزب الله” وحركة “أمل” و”التيار الوطني الحر” بدأت تتصرف على أساس أن تبديل الحكومة قد بات وشيكا أم أن الأمر مختلف؟

مصادر في القوى الثلاثة، أبلغت إلى “النهار” أنها سمعت بأن الأمر مطروح، لكنها لم تقارب الموضوع بشكل جدي، خصوصا أن أحدا لم يفاتحها، فضلا عن واقع آخر ما زال فارضا نفسه، وهو أن الظروف والوقائع غير مهيئة إطلاقا لفتح الأبواب الموصدة أمام فكرة استيلاد حكومة جديدة، فأمر التأليف دونه في الأحوال الطبيعية عوائق وعراقيل بالجملة، فكيف بالأحوال الحاضرة التي يعلم الجميع تداعياتها.

وتخلص المصادر عينها إلى القول بأن الحكومة الحالية ما برحت في خطوتها الأولى في رحلة الألف ميل، وهي إلى الآن تؤدي ما ينبغي عليها القيام به، رغم كل الملاحظات على أدائها وحتى على مشروع التعافي الاقتصادي الذي أطلقته.

وعليه فإنها ما زالت تحظى بثقتنا وما زلنا نرى ضرورة الالتفاف حولها وتأمين فرص الدعم لها.

وعن الدعوات التي ترتفع من حين إلى آخر لتغييرها ترد المصادر بالقول: هذا جزء من الفولكلور السياسي اللبناني، خصوصا أن ثمة قوى قد خرجت للمرة الأولى من الحكم، وجلست في مقاعد المعارضة وهان عليها رشق التهم وتسديد النصائح بغية تلميع حضورها.

ويبقى اللافت في المشهد إياه، أن يكون نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي أول من حمل بوضوح لواء الدعوة إلى حكومة جديدة، في خطوة عدت مغايرة لتوجهات فريقه السياسي، فبدا وكأنه يغرد وحيدا خارج سربه.

هل هو يبني على معطيات توافرت إليه، أم أنه يمهد لمستجد ما زال في ظهر الغيب؟

على هذه التساؤلات يجيب الفرزلي بالقول لـ”النهار”: الأمر عندي لا ينطلق إطلاقا من رغبة أو من تمهيد لأمر أو من عداوة للرئيس دياب والكوكبة من الوزراء معه، بل من تشخيص وقراءة معمقة للمشهد الماثل أمامنا بعناد.

فباختصار، يضيف الفرزلي: نحن جميعا أمام تحديات إقليمية متعاظمة قبل قانون “سيزر” وما بعده ولا سيما ما يتركه من تداعيات على المستوى الداخلي، لا يمكن لأحد أن ينكر عمق الانقسام السياسي العمودي حيال الكثير من الملفات.

وقبل ذلك نحن أمام الازمات المالية والاقتصادية والصحية المتراكمة والتي ألقت بظلالها الثقيلة على كل اللبنانيين.

وعليه، ومن إدراكنا لكل هذه المخاطر المفتوحة دائما على مخاطر أخرى، ألا يحق أن نطرح فكرة حكومة وحدة وطنية، تنفتح أمام مشاركة كل القوى، علما اننا في السابق وفي ظروف أقل حراجة من ظروفنا الحالية كنا نلوذ بمثل هذه الحكومة، وننتظر أسابيع وشهورا لتأمين فرص نضوجها وإخراجها إلى النور؟

أضف إلى كل تلك المعطيات، يقول الفرزلي ان الحكومة الحالية ليست بحجم التحديات والأزمات الماثلة وهي فضلا عن ملاحظاتنا السلبية على مشروعها للانقاذ المالي واستعانتها بشركة مثل شركة “لازار” التي بين أعضائها المولجين بالنظر في أوضاعنا النقدية والمصرفية ثلاثة من المعروفين بميولهم اليهودية، وتوجههم بضرب قطاعنا المصرفي عبر الدعوة الى دمج المصارف، لكي يفتح الأبواب أمام المصارف الأجنبية من جهة، ولكن نمهد الطريق للتطبيع مع اسرائيل.

ولا بد لنا أن نذكر أن الحكومة لم تطل لحد الآن برؤية علمية واضحة للملفين المالي والاقتصادي، بل ان خطتها هي خط سير نحو أن ينهي لبنان نفسه وموقعه المالي، ولا ننسى أنها تفاوض صندوق النقد الدولي برقمين مختلفين.

ويخلص الفرزلي: أكرر إن الدعوة التي انا بصددها ليس موقفا شخصيا، بل ينطلق من موقف وطني ينطوي على رغبة أكيدة وعاجلة بأن تكون حكومتنا على “قدر الحمل الصعب” الذي يواجهها، مع إدراكي أن أمر التغيير الحكومي ليس بتلك البساطة أو اليسر، ولكن ما الذي يمنع أن ندعو الجميع إلى وقفة مسؤولة وجادة؟