مع اقتراب دخول قانون “قيصر” حيز التنفيذ في 17 يونيو الجاري، تخشى تيارات لبنانية عدة تداعيات تطبيق القانون على البلاد التي يسيطر عليها، سياسيا وعسكريا، حزب الله، الداعم للنظام السوري، والغارقة أصلا بأزمة مالية واقتصادية خانقة، الأمر الذي يطرح حزمة تساؤلات عن الخيارات المتاحة لتفادي العقوبات المتوقع أن تطال لبنان بسبب سياسات الحزب المرتبط عضويا بإيران.
فالقانون الأميركي الذي يسمح لواشنطن بفرض عقوبات اقتصادية على النظام السوري والجهات الداعمة له عسكريا وماليا وسياسيا ومتعاملة معه تجاريا، فرض واقعا جديدا في المشهد اللبناني، وانعكس ترقباً سياسياً وشعبياً لتفاعل حكومة حسان دياب معه وموقفها منه.
وبالتالي مدى تأثر لبنان بنتائجه، لاسيما أن “حزب الله”، أحد المكونات الأساسية والمقررة في هذه الحكومة، مستهدف بالدرجة الأولى بالقانون كأحد أبرز داعمي النظام السوري عسكريا والمتعاملين معه اقتصاديا، كذلك بالنسبة للبنان الرسمي الذي يبحث في سوريا عن متنفس بري هو المتاح الوحيد لتمرير منتجاته نحو الأسواق العربية وانعاش اقتصاده، لاسيما من مشاريع إعادة الإعمار التي يراهن عليها لتحريك عجلته الاقتصادية وتشغيل شركاته ورجال أعماله.
في البعد السياسية للقانون
لم يأت القانون على ذكر لبنان صراحة كما هو الوضع مع إيران وروسيا، لكن الجميع في لبنان لمس جدية أميركية في تطبيق القانون منذ مرحلة دراسته، وحجر الزاوية فيما يتعلق بتأثر لبنان بقانون “قيصر” هو حزب الله، بحسب ما يقول الصحافي والكاتب السياسي سام منسى لموقع “الحرة”.
“فالحزب ورط اللبنانيين بتورطه في الملف السوري واصطفافه إلى جانب النظام عسكرياً، وهو توريط للبنان لكون هذا التدخل لم يأت من قرار لبناني رسمي، إنما جاء بأوامر إيرانية. وفيما الإيرانيون راهنوا على سوريا واستثمروا فيها على مدى أكثر من 30 عاماً فإنهم ليسوا مستعدين اليوم للخروج منها دون تحقيق مكاسب تعود عليهم بما استثمروا، ما يعني أن حزب الله أيضاً باق على تعاونه مع النظام السوري ووجوده المرتبط بالقرار الإيراني”.
هذا الواقع يدفع واشنطن لمزيد من الصرامة في التعاطي مع لبنان، وقد كان ذلك واضحا في تصريح مساعد وزير الخارجية الأميركية، ديفيد شينكر، الذي أكد أن الولايات المتحدة ستنظر في حزمة العقوبات وترى ما يمكن تنفيذه بشأن حزب الله، إلا أن اللافت كان إشارته إلى أن هذه العقوبات ستشمل شخصيات من حلفاء حزب الله في لبنان وداعميه السياسيين.
كلام شينكر جاء في إطار التحذير من مشروع قانون السيناتور تيد كروز، الذي يطالب بحظر تقديم مساعدات من الحكومة الأميركية لأي حكومة لبنانية يؤثر “حزب الله” بقراراتها أو يسيطر عليها، كذلك بالنسبة للمساعدات الممنوحة للجيش اللبناني لكونه ممسوك من الحزب.
التزامن بين القانونين كان لافتاً بالنسبة للخبير الاقتصادي والقانوني علي زبيب، الذي يرى أن قانون “قيصر” بقدر ما يستهدف النظام السوري فإنه يستهدف من خلفه كل التحالف الداعم له دولا وأفراداً وكيانات.
ويقول زبيب “ففيما سوريا معودة على الحصار ومعظم مؤسساتها وكياناتها هي تحت العقوبات بالفعل، فإن المشكلة مع الدول الداعمة والخطورة هنا تكمن في كيفية تعاطي الدول التي لها علاقات اقتصادية مع سوريا مع هذا القانون، حيث ستكون خائفة وقد تنكفئ عن التعامل مع سوريا وتجمد المشاريع التي كانت على استعداد لتنفيذها”.
موقف لبنان الذي لم يرد ذكره في القانون بشكل واضح ومباشر، بالغ الحساسية، وأضعف من أن يواجه القرارات الأميركية، بحسب كلام زبيب لموقع “الحرة”، وبالتالي “هناك قرار بالامتثال لقانون قيصر، وبحسب المعلومات فقد جرى الاتفاق على ذلك بين المصارف ومصرف لبنان والسلطة السياسية، حتى الأحزاب المناوئة للولايات المتحدة الأميركية مقتنعة بضرورة الامتثال لقانون قيصر وتفادي العقوبات، مع المحافظة على السيادة اللبنانية”.
ما هي الخيارات المتاحة أمام الحكومة اللبنانية؟
يؤكد زبيب أن “الحكومة غير ملزمة قانونيا تطبيق قانون أجنبي لا يصدر عن الأمم المتحدة أو بموجب معاهدة ملتزم بها وموقع عليها لبنان، ولكن بالواقع لبنان أضعف من عدم الامتثال، مخافة الوقوع بلائحة العقوبات وبالتالي إنتاج شلل كبير في الاقتصاد أكثر مما هو مشلول..”.
ويستطرد قائلا “ولكن في المقابل لابد من قيام لبنان بتحديد موقفه السياسي والاقتصادي. في مكان ما سيمتثل لبنان للقانون، ويبحث عن طرق للالتفاف عليه من أجل حماية مصالحه التي تؤمن سوريا، كأن يتقدم بدعوى ضد القانون الأميركي الذي يؤثر على علاقة دولتين متجاورتين تربطهما مصالح اقتصادية لا غنى عنها وبالتالي الالتزام التام سيؤدي لخسائر كبيرة في الاقتصاد”.
مصادر حكومية تؤكد لموقع “الحرة” أن الحكومة اللبنانية لا تزال حتى الآن في طور دراسة القانون لمعرفة مدى تأثيره ولم يتخذ قرار نهائي بشأن التعامل معه بعد، وذلك من أجل “اتخاذ موقف لا يضر بمصالح لبنان ولا يخسرنا سوريا كمتنفس بري وحيد”.
تنفي المصادر ما نقل في الإعلام من أجواء انقسام وخلافات داخل الحكومة اللبنانية، وتؤكد أن كل ما جرى خلال جلسة الحكومة السابقة كان خطأ شكلي، فليس من مسؤولية نائبة رئيس مجلس الوزراء وزيرة الدفاع، زينة عكر، أن توزع القانون على الوزراء وإنما هي مسؤولية الأمانة العامة للمجلس، فيما لم يطلب من الوزراء أكثر من الاطلاع على القانون ودراسة تأثيره كل بحسب وزارته وكل ما عدى ذلك غير صحيح.
كذلك بالنسبة للكلام عن تهديد أميركي وضغط على الحكومة اللبنانية، إذ تشير المصادر إلى أن رئيس الحكومة لم يناقش القانون حتى الساعة مع السفيرة الأميركية في لبنان.
تختم المصادر مشيرة إلى وجود تهويل كبير بالنسبة للقانون وتأثيره على لبنان، حيث ترى “أن قانون قيصر” بحسب نصه، يهدف إلى حماية المدنيين في سوريا ويحارب الدعم المقدم للنظام السوري في هذا الإطار لاسيما العسكري والمالي، كذلك بالنسبة لتزويده بالتكنولوجيا والمواد الأولية، وكل ذلك لا يمس بالمصالح اللبنانية مع سوريا..”.
وتضيف “في حين يبقى ملف إعادة الإعمار الذي يؤثر مباشرة على لبنان قيد الدراسة الحكومية بسبب اتجاه شركات لبنانية عدة للمشاركة في إعادة الإعمار والاستفادة اقتصادياً من تلك الفرصة، أما باقي الملفات كالتصدير عبر سوريا مثلاً لن يتأثر بالقرار إذ لا نية معلنة لدى الولايات المتحدة ولا مصلحة لها في خنق لبنان حتى آخر نفس أو الدفع بإتجاه إنهياره”.
إعادة الإعمار ممنوع قبل الحل السياسي
“اعادة اعمار سوريا كانت فرصة ذهبية أمام لبنان للنهوض الاقتصادي كمحطة لجميع الدول ومنطلق لإعادة الإعمار، خاصة أن هناك شركات ومؤسسات لبنانية ضخمة وأفراد كانوا يحضرون الأرضية لهذا الموضوع في السنوات الماضية”، يقول زبيب.
ويضيف “أن هذا المشروع قد تجمد الآن والشركات اللبنانية ستتراجع بعد قانون “قيصر” خوفا من العقوبات المالية، في حين يسود الترقب لمعرفة كيف سيتم تطبيق هذا القانون ومستوى الالتزام به لإدراك مستوى تأثيره”.
ويتساءل زبيب “هل ستقوم أميركا بتنفيذ القانون بحرفيته أم أنها ستستخدمه في المفاوضات السياسية لفرض حد أقصى من العقوبات ورفع السقف إلى أعلى مستوياته لتحقيق أكبر حجم ممكن من المكاسب السياسية؟”.
من جهته، يرى منسى أن قانون “قيصر” الهادف لزيادة الضغط على الإيرانيين والروس والنظام السوري ودفعهم إلى التفاوض من ناحية، جاء ليفرمل اندفاعة تلك الدول نحو إعادة الإعمار في سوريا ومن بينها لبنان الذي يسوق فيه الفريق الحكومي للتوجه نحو “الشرق” اقتصادياً ويعتمد في ذلك على سوريا سوق عمل وممر.
ويؤكد أن الولايات المتحدة “أعادت تجميد الحركة في سوريا عبر هذا القانون وثبتت أن لا حل في سوريا قد يتم بدون مفاوضات على حل سياسي يحقق مصالحها”.
يذكر أن عشرات الشركات اللبنانية كانت قد توجهت بنشاطها نحو سوريا في الأيام الماضية، واللافت أن تلك الشركات تنقسم بمحسوبيتها على قوى “8 آذار” كتلك التي شاركت في مؤتمر إعادة الإعمار 2017 الذي أقيم في دمشق، وأخرى معروفة بقربها من “14 آذار” توجهت بدورها للاستثمار في سوريا وراهنت على دور كبير لها، إضافة إلى رجال اعمال مستقلين على حد سواء، ما يؤشر إلى أن جميع الفئات في لبنان كانت تراهن على إعادة الإعمار وقد انعكس قانون “قيصر” سلباً على نشاطها ومشاريعها.
المصارف وصندوق النقد
تلك التحديات التي تواجه لبنان، تأتي في وقت تراهن فيه الحكومة اللبنانية على المفاوضات مع صندوق النقد الدولي من أجل تمويل برنامج ينهض بالإقتصاد اللبناني.
وفي هذا الإطار، يؤكد زبيب أن موافقة صندوق النقد على دعم لبنان يتطلب مباركة دولية ستلزمه كسب الرضى الأميركي من ناحية قانون “قيصر” كما حصل في ملف المعابر غير الشرعية التي لم يكن فتحها في المرحلة الماضية من قبيل الصدفة وإنما مكملاً للإجراءات الأميركية القاضية بعزل النظام السوري وقطع دعمه وامداداته”.
ويردف قائلا “سيكون هناك ربط مع قانون قيصر حيث يمكن التذرع بأنه لا يجب أن يقوم صندوق النقد بتمويل لبنان مخافة شراء حاجيات ومنتجات من لبنان وتهريبها إلى سوريا، وبالتالي التعرض للعقوبات مما قد ينتج تعثر بالمفاوضات مع صندوق النقد”.
أما المصارف اللبنانية فإن موقفها حساس جداً، وفق ما يشير زبيب، “وذلك لكون المصارف اللبنانية لا تزال تتعامل مع المصارف السورية وبعضها لديه أفرع في سوريا، وهذا ما يحتاج إلى تيقن ودراية واجتماعات مكثفة تنسيق ودراسة بين جمعية المصارف ومصرف لبنان وخبراء قانونيين واقتصاديين وماليين لإيجاد المخارج الأقل ضرراً بالتنسيق مع اتحاد المصارف العربية”.
الحرة