
موريس متى – النهار
حمل الشارع اللبناني منذ اليوم الاول للثورة في 17 تشرين الاول 2019 عناوين مطلبية كثيرة، أهمها ملف استرداد الاموال المنهوبة، اضافة الى التحويلات غير القانونية الى الخارج والتابعة لأصحاب المصالح والسياسيين وكل من عمل في الشأن العام، حتى أصبح هذا الملف حديث الساعة منذ ذلك التاريخ، خصوصا في ظل القيود المصرفية التي تُفرض على المواطنين لناحية السحوبات بالعملات الاجنبية.
الشارع إنتفض في 17 تشرين في وجه الفساد والهدر والسرقات والصفقات التي استمرت سنوات وما أسفر عنها من نهب للاموال العامة، وعمّق أزمة المالية العامة التي دخلت الانهيار فأدخلت معها البلاد في نفق أسود أشعل المواطنين غضبا ما دفعهم الى رفع شعار استرداد الاموال المنهوبة وملاحقة من سرق المال العام، ومن خالف القوانين بإجراء تحويلات غير أخلاقية، او حتى تحويل اموال غير شرعية الى الخارج في ظروف دقيقة جدا تعيشها البلاد. منذ مطلع تشرين الثاني الفائت، تستمر التحقيقات حول التحويلات المالية، إذ انكبت هيئة التحقيق الخاصة ولجنة الرقابة على المصارف على التحقيق في كل المعلومات والاخبارات المقدمة بشأن هذه الاموال والتحويلات. امام خطورة هذا الملف، والمطالب الشعبية بضرورة الذهاب به الى الاخير، التزمت حكومة الرئيس حسان دياب في بيانها الوزاري متابعة هذا الملف من باب مكافحة الفساد، على ان تلتزم الحكومة في اول 100 يوم إقرار الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد والاسراع في تنفيذها وإصدار المراسيم التطبيقية لقانون الحق في الوصول الى المعلومات، مع الطلب من النيابات العامة المتخصصة ملاحقة الملفات التي تعتريها شبهة فساد وسائر الجرائم المالية. أما في ما يتعلق بملف التحويلات، فقد تعهدت الحكومة متابعة التحقيقات واتخاذ الاجراءات اللازمة بخصوص الاموال التي حولت الى الخارج بعد 17 تشرين الاول 2019 خلافا للقانون، وهذه النقطة شهدت إصرارا على ضرورة الالتزام بها من جانب الحكومة وذلك خلال جلسة مجلس الوزراء أمس عند مناقشة البيان الوزاري وقبل إقراره.
تطورات متسارعة يشهدها هذا الملف، خصوصا لناحية ما كشفه الرئيس نبيه بري خلال “لقاء الاربعاء” النيابي عندما اكد ان 5 مصارف قام أصحابها بتحويل أموالهم الشخصية الى الخارج قبل 17 تشرين وتقدر قيمتها بحوالى 2.3 ملياري دولار، ما استدعى ردا من لجنة الرقابة على المصارف إذ اعتبرت ان ما ورد من معلومات عن تحاويل بقيمة 2.3 ملياري دولار لأصحاب مصارف الى خارج لبنان غير دقيق ومغلوط، وكل المصارف قامت بتحاويل، ولا يحق قانونا للجنة الرقابة على المصارف معرفة أصحابها. وفي آخر التطورات المتعلقة بهذا الملف، عقدت هيئة التحقيق الخاصة برئاسة حاكم مصرف لبنان إجتماعا في حضور رئيس اللجنة سمير حمود والامين العام للهيئة عبد الحفيظ منصور، الى القاضي المعين في الهيئة المصرفية العليا وهو المدعي العام المالي القاضي علي إبرهيم. وبحسب المعلومات تركز النقاش حول آخر ما وصلت إليه تحقيقات الهيئة وما حصلت عليه من أجوبة من المصارف في ما يتعلق بالتحويلات الى الخارج ضمن متابعة تزويد مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات التفاصيل المطلوبة لناحية هذه التحويلات والحسابات التي خرجت منها، مع الإعتبار ان عملية التحويل الى الخارج لا تخالف القوانين اللبنانية، وإنما جوهر الموضوع هو مصدر اموال الحسابات التي تم تحويلها، خصوصا في ما يتعلق بأصحاب الحسابات من سياسيين. وتكشف مصادر مصرف لبنان ان هيئة التحقيق الخاصة يمكن أن تتدخل بصورة إستثنائية ومحدودة جدا في التدقيق بالتحاويل غير العادية والتحقيق فيها وتزويد القضاء المختص المعلومات حولها، على ان يكون لمدعي عام التمييز الكلمة الفصل في ما يتعلق بالحسابات التي خرجت منها التحويلات.
وفي الايام الماضية كان رد رئيس اللجنة على كتاب القاضي عويدات الذي أرسله الى اللجنة وحمل الرقم 130/ص/2019 تاريخ 30/12/2019، وطلب فيه توضيحات حول كل ما تم تداوله بشأن تحويلات ودائع إلى الخارج. وأفاد رد حمود بأن حجم الأموال المحولة من المصارف العاملة في لبنان الى مصارف سويسرا خلال المهلة الممتدة من 17 تشرين الأول 2019 ولغاية 14 كانون الثاني 2020 بلغ ما يعادل 2,276 ملياري دولار، منها ما لا يقل عن 60 % تمثل تحاويل مرتبطة بودائع منشأها عقود ائتمانية وذلك استنادا إلى المعلومات المرسلة من المصارف عملا بمتطلبات مذكرة لجنة الرقابة على المصارف رقم 2020/1 تاريخ 14-01-2020 المتعلقة بطلب معلومات عن التحاويل إلى المصارف السويسرية.
وبما أن التحقق من مصادر الأموال وتحديد الشبهة فيها يقع ضمن إطار عمل هيئة التحقيق الخاصة وليس من مهمات لجنة الرقابة على المصارف التي لا يحق لها رفع السرية المصرفية والإطلاع على هوية أصحاب الحسابات الدائنة عملا بأحكام المادة 150 من قانون النقد والتسليف والمادة 9 من القانون رقم 67/28 تاريخ 9/5/1968، أحال القاضي عويدات نسخة عن كتاب لجنة الرقابة على المصارف على هيئة التحقيق الخاصة ومكافحة تبييض الأموال في مصرف لبنان، لإجراء تحقيقاتها في الأمر، وهذا ما تركز حوله النقاش أمس خلال إجتماع هيئة التحقيق الخاصة. وللتذكير، ان الإطلاع على المستندات والوثائق والمعلومات المتعلقة بصاحب أو أصحاب الحسابات التي حوّلت الأموال منها، يندرج ضمن صلاحية الإطلاع على هوية أصحاب الحسابات الدائنة، الأمر الذي يخالف أحكام القانون رقم 67/28، وبالتالي لا يحق للجنة الرقابة على المصارف الإطلاع على هوية أصحاب الحسابات الدائنة والحصول على الوثائق والمستندات المتعلقة بها، بإنتظار ما سيخرج عن هيئة التحقيق الخاصة من نتائج سيتم إرسالها الى مدعي عام التمييز لاتخاذ الاجراءات القضائية على ضوئها.