
فرج عبجي – النهار
من الصعب أن يَفهم مَن لا يؤيّد حزب “القوات اللبنانية” ورئيسه سمير جعجع، العلاقة التي تجمع هذا الرجل الصلب بقاعدته التي ناضلت في أصعب الظروف لتحريره من الاعتقال. صحيح أنه يصعب تصديق أن جعجع زعيم ديموقراطي في حزبه، وأنه ليس الآمر الناهي في كل تفصيل مرتبط بهذه المؤسسة وسياستها، لكن من يرى التكامل الموجود بين قرار القيادة في كل الملفات الوطنية، وانسحابه على صعيد القاعدة، حتى في أصعب اللحظات المصيرية، يعلم جيداً أن ثمّة ثقة كبيرة بين القاعدة والقيادة، ما يعطي جعجع تفويضاً كاملاً وثقة ثابتة بشخصه، قد يفسرها البعض بالديكتاتورية والأحادية في القيادة، لكنها في الواقع علاقة وثيقة من القاعدة إلى رأس الهرم وبالعكس. وقد لا يوافق البعض ممن هم من غير القواتيين أن يكون جعجع قريباً من قاعدته إلى هذه الدرجة، لكن من يحصي حالات الانشقاق في صفوف الحزب، يجد أنها قليلة جداً إن لم تكن نادرة. وما حصل في اجتماع معراب الذي استمر لمدة 6 ساعات، وتمخّض عنه قرار عدم تسمية أي شخصية للتكليف، والموافقة فقط على إعطاء الثقة لحكومة مستقلة مشكَّلة من اختصاصيين، والذي جاء نتيجة بحث ونقاش بين الحكيم وكتلة “الجمهورية القوية” والقيادة الحزبية تماشياً مع المزاج العام للقاعدة الحزبية والجو العام في البلد، اعتبره البعض أنه نتيجة لكلمة سر جاءت من الخارج فتبنّتها “القوات” في اللحظات الأخيرة.
تكامل بين القاعدة والقيادة
في قراءة لرئيس جهاز الإعلام والتواصل حول الاستغراب الذي أحدثته استجابة جعجع للقاعدة القواتية، لدرجة أن البعض سأل مَن يقود من في “القوات”، يقول شارل جبور لـ”النهار” إن “الخلل الكبير هو عندما تتخذ القيادة القرار من دون العودة إلى القاعدة، أما الصحيح فهو أن يكون هناك تكامل بين القاعدة والقيادة، وقيادة القوات تستند إلى أرض صلبة، وهي حريصة عليها لأنها تشكل قوتها السياسية والشعبية والنيابية والوزارية، وتتعاطى معها بكل جدية، وأي نقلة سياسية أو أي موقف مصيري تتخذه القيادة يجب أن ينسجم مع مسارها التاريخي وقاعدتها التي تتواصل معها بشكل دائم لتعرف مزاجها الحقيقي وتعمل على توضيح أي التباس في موقف أو قرار محدد”.
وشدد جبور على أن “هناك ديموقراطية حقيقية في القوات من خلال المنحى التكاملي بين القيادة والقاعدة الحزبية التي جعلت منها جسماً صلباً، ويؤكد ذلك عدم حصول أي اهتزاز داخل صفوف القوات وقياداتها لأنها منسجمة مع ثوابتها التاريخية منذ انطلاقتها، بعكس تيارات أخرى شهدت تراجعاً كبيراً، وحصلت في صفوفها انشقاقات كبرى نتيجة انقلابها على مواقفها الاستراتيجية التاريخية”.
ويعود جبور إلى “اتفاق معراب” ليؤكد أن قيادة القوات لا تأخذ أي قرار كبير لا ينسجم مع قاعدتها الشعبية. وأوضح أن “خيار الانفتاح على العماد ميشال عون وانتخابه رئيساً للجمهورية لم يكن مفاجئاً بل جاء نتيجة نقاشات دقيقة وعميقة، أخذت وقتاً طويلاً مع قاعدتها بهدف طي صفحة الماضي وتقوية الدولة من تحويل الخلاف إلى مصالحة، وحصل الاتفاق رغم وجود قلة معارضة له في القاعدة القواتية”.
القاعدة القواتيّة ليست غنَميّة
“بالرغم من محاولات البعض إعطاء الصبغة الميليشيوية لمناصري “القوات” ووصفهم أخيراً بقطّاع الطرق، إلا أن هذا الأمر تدحضه الكوادر السياسية والمثقفة الموجودة في الحزب، الآتية من خلفية عقائدية وليس بالمصادفة أو غبّ الطلب”، يقول جبور، ويضيف أن “القاعدة القواتية مسيّسة وإيديولوجية وليست غرائزية أو غنَمية؛ وقيمة القوات في امتدادها الشعبي في الشارع اللبناني الذي تمثل بنتائج الانتخابات الأخيرة”.
ويفنّد جبور ديموقراطية النقاش الذي حصل على مدى ساعات بين القيادة القواتية التي انقسم الرأي فيها بين مؤيد لتكليف الرئيس سعد الحريري ومعارض له. ويقول إن “العلاقة مع الحريري كانت ملتبسة في الآونة الأخيرة وخصوصاً أن القوات أصبحت تُسلِّف ولا تُسلَّف، فمنذ التسوية الرئاسية وصولاً إلى الانتخابات فضّل الحريري أن يعطي بعض المقاعد النيابية للوزير جبران باسيل، إضافة إلى انتقاده خيار القوات عدم التصويت لموازنة 2019 وإصرارها على الإصلاحات، كما مطالبة الحكيم بتشكيل حكومة اختصاصيين مستقلة في 2 أيلول في اجتماع بعبدا الاقتصادي، والاستقالة من الحكومة قبله، والإخراج الذي اعتمده الحريري في طلبه من “القوات” دعم تكليفه، لم يكن مقبولاً لدى القاعدة القواتية، وتحديداً عندما أرسل في اللحظات الأخيرة الوزير السابق غطاس خوري إلى معراب، فلو حصلت الزيارة على غرار لقائه بالرئيسين عون وبري، وطلبه الدعم علانية من القوات، وطيّ صفحة الالتباس تحت عنوان الإنقاذ، لكان الوضع اختلف كلياً”.
وفي وقت اعتبر البعض أن “القوات” صفّت حسابها مع الحريري إثر رفضها تسميته في التكليف، يوضح جبور: “لسنا اليوم في أزمة سياسية، فالقوات تعتبر أن لبنان في صلب انهيار اقتصادي يصيب الجميع، ونحن بحاجة إلى خريطة خلاص تكون من خلال حكومة اختصاصيين مستقلين، ونحن لم نتخلَّ عن حلفنا الاستراتيجي مع الحريري والعناوين الكبرى التي نتفق عليها، وفي طليعتها قيام دولة حقيقية في لبنان”.
حكومة اختصاصيين أم تكنوسياسية
وعن رفض البعض لمقولة ديموقراطية “الحكيم” في الوصول إلى القرار النهائي من مسألة التأليف، يشرح جبور أن “الهمّ الأول للحكيم كان في هذا النقاش هو القاعدة القواتية، لكنه لم يستبعد أبداً المشهد الوطني العام والتوازنات السياسية الموجودة، والمزاج العام اللبناني الذي يطالب بحكومة مستقلة من الاختصاصيين؛ واعتبر جعجع أن الرئيس الحريري كان قادراً على مواصلة عملية التكليف من دون القوات وأن ينال ثقتها لاحقاً في التأليف، ولكن العنصر الذي استجد بعد زيارة الوزير خوري إلى معراب هو رأي القاعدة القواتية الرافض لإعادة تكليفه، خصوصاً لعلمه أن الأمور قد تتبدل بين مسار التكليف والتأليف نتيجة الضغوط والعوامل التي قد تتداخل، وخشية القوات أن تكون قد خسرت ورقة ثمينة بيدها وهي المطالبة بحكومة مستقلين واختصاصيين، وهذه الورقة تمثّل بالنسبة لجعجع المعبر الإنقاذي الوحيد للأزمة الاقتصادية، فضلاً عن أن النقاش الذي حصل في معراب تركز على عنوان الحكومة المقبلة، بين حكومة اختصاصيين أو تكنوسياسية، وليس على اسم الشخصية التي ستكلَّف”.