اميل خوري - النهار

الموارنة والشيعة يمثّلهم أقوياء لماذا لا يُعامَل السنّة بالمثل؟ – اميل خوري – النهار

ما دام لبنان يعيش عملياً وواقعياً وإن موقتاً في “نظام طائفي”، فإن عليه تطبيقه بدقة وعدالة ومن دون أي تمييز أو تمايز، بحيث لا يشعر أي مذهب أو طائفة بغبن وتهميش أو إحباط. لذلك فإن أي سلطة تحكم لبنان ولا تراعي حقوق كل مذهب وطائفة وخصوصيتها ولا تحرص على التوازنات الداخلية الدقيقة والحساسة، فإنها تواجه الأزمات والمتاعب السياسية والأمنية والاقتصادية عند حصول أي خلل في هذه التوازنات.

الواقع أن رئيس الجمهورية الماروني عندما كان له دستورياً حق تسمية رئيس الحكومة وتعيين الوزراء، وكان أحياناً يسيء اختيارهم عن قصد أو عن غير قصد بتسمية مَن لا يمثلون مذهبهم أو طائفتهم تمثيلاً صحيحاً، فإنه كان يواجه المتاعب والقلاقل والانقسامات الداخلية السياصسية والحزبية والمذهبية الحادة، وهي انقسامات كانت تصل أحياناً الى حد إطاحة سلطتها، وهذا ما جعل دستور الطائف ينزع منه هذا الحق ويُخضع تسمية رئيس الحكومة لاستشارات نيابية ملزمة يجريها رئيس الجمهورية، ويكلف مَن ينال أكثرية أصوات النواب تأليف حكومة جديدة، وكانت هذه الأكثرية تكلف أحياناً رئيساً ليس على تفاهم ووفاق مع رئيس الجمهورية، فيتعرقل تأليف الحكومة وتطول الأزمة، فينعكس ذلك سلباً على الأوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد وعلى عمل المؤسسات، لأن الدستور لم يحدد مهلة للرئيس المكلف تشكيل الحكومة بل ترك الأمر لضميره ولشعوره الوطني، كما لم يحدد الدستور حجم هذه الأكثرية ولا توزيعها الطائفي ليكون ممثلاً تمثيلاً صحيحاً لطائفته أو مذهبه، ولا تسمية أكثرية من مذهب أو طائفة أخرى. فـ”الميثاق الوطني” غير المكتوب أعطى رئاسة الجمهورية للموارنة ورئاسة مجلس النواب للشيعة ورئاسة الحكومة للسنّة تحقيقاً للتوازن بين الطوائف الثلاث الكبرى. أما وحدة الأوزان فتحققها صحة التمثيل. فإذا تمثّل مذهب بقطب من أقطابه فينبغي أن تمثّل المذاهب الأخرى مثله أيضاً، سواء في الرئاسات الثلاث أو في الوزارات كي لا يشعر أي مذهب بالغبن أو التهميش.




لذلك حرص الموارنة على أن يكون رئيس الجمهورية مقبولاً منهم أولاً ورئيس المجلس مقبولاً من الشيعة ورئيس الحكومة مقبولاً من السنّة، تحقيقاً ليس للتوازن فحسب بل للأوزان أيضاً، وهو ما لم يحصل في تكليف الدكتور حسان دياب تشكيل حكومة، ولا شيء يعوّض ضعف تمثيله لطائفته سوى النجاح الذي يجعله يمثل كل الطوائف، وإلا كان تكليفه أشبه بما كان يتمتع به ر ئيس الجمهورية في الماضي من صلاحيات تجعله يسمي رئيس الحكومة ويعيّن الوزراء، وهذا ما جعل الطائفة السنية تشكو من غبن وتطالب بتعديل الدستور لجهة نزع هذا الحق من رئيس الجمهورية، وهو ما حصل في الطائف، وكانت الطائفة السنية تعبّر عن استيائها بوصف رئيس الحكومة غير المرغوب فيه بـ”باشكاتب” أو بـ”شرَّابة خرج”…

وفي انتظار قيام الدولة المدنية في لبنان، التي يحكمها أصحاب الكفاءة والنزاهة والاستقامة، لا بل أصحاب العقول لا أصحاب الحظوظ، فإنه يجب تطبيق “النظام الطائفي” الموقت تطبيقاً دقيقاً عادلاً، ليس لجهة تحقيق وحدة الأوزان بالتمثيل الصحيح لكل طائفة، فلا تكون طائفة تتمثل بقطب من أقطابها وطائفة لا تتمثل مثلها، وهي قاعدة جعلت البعض يطبقها في الانتخابات النيابية تحقيقاً للتمثيل الصحيح بحيث لا يفوز نواب مسلمون بأصوات مسيحيين ولا نواب مسيحيون بأصوات مسلمين، وأن لا شيء يجعلهم نواباً يمثلون الأمة جمعاء إلا بعد الغاء الطائفية وإقامة الدولة المدنية.