
سابين عويس – النهار
إذا كان الرئيس سعد الحريري في مؤتمره الصحافي قال كلمته في الاستهدافات التي طالته وطائفته أخيرا، ومشى، فهو مشى نحو تجديد ثوابت خياراته التي أملت عليه الصمت في المرحلة الماضية، وفتحت الباب واسعا امام استنزافه في السياسة وفي زعامته على رأس طائفته، من خلال تصويب السهام نحو صلاحيات الرئاسة الثالثة.
لن يكون غداة ذلك المؤتمر الصحافي الذي أتى بعد فترة من الصيام عن الكلام فرضتها ظروف انجاز الموازنة في مجلس الوزراء، كما قبله حتما، تقول اوساط “مستقبلية”، ذلك ان رئيس “تيار المستقبل” ورئيس الحكومة سيكون امام تحدي المضي في الخيارات التي حددها وفي الدفاع عما وصفه بـ”الكذبة الكبيرة” ضده، والمتعلقة باستهداف صلاحيات الرئاسة الثالثة. سيواجه الحريري في رأي هذه الاوساط تحدي الاستمرار بالمسار الذي خطه في مؤتمره، لأنه المسار الصحيح والسليم لتستقيم الامور وتستعيد السلطات توازنها، بحيث لا تأكل سلطة من صحن أخرى.
وأهمية خوض هذا التحدي والنجاح فيه، أنه يوفر على الحريري السقوط مجددا في خيار العودة الى مرحلة ما قبل رفع الصوت. وعندها سيكون ما بعد المؤتمر أصعب وأقسى مما قبله، لأنه سيتيح رفع منسوب الاستنزاف وصولا الى مرحلة الانهاك، بحيث يصبح الحريري أسير ثوابته، مفتقدا أدوات حمايتها وتحصينها أمام موجة من الشعبوية والمزايدات تنحو نحو التصعيد كلما انقضى وقت على الولاية الرئاسية واقترب موعد فتح المعركة الرئاسية، خصوصا أن رئيس “التيار الوطني الحر” اختار كما تبين مواقفه الاخيرة، ان يكون عنوان معركته استعادة حقوق المسيحيين وصحة تمثيلهم من “سنية سياسية” فرضها اتفاق الطائف على حساب حصة المسيحيين وصلاحياتهم في الشركة وفي السلطة. ولن يقف تحالف الحريري- باسيل المصون بتسوية سياسية عائقا امام الاخير للتصويب على الحريري كلما اقتضت موجبات المعركة.
من هنا، لا ترى مصادر تدور في فلك الثنائي الشيعي ان كلام الحريري يمكن ان يصرف في أي مكان، وان الطريق لن يكون سهلا امام رئيس الحكومة لترجمة مواقفه في السياسة او في العمل الحكومي الذي سيشهد مزيدا من الكباش على الملفات الساخنة المطروحة، ولا سيما منها الملف المدرج أولَ على جدول اعمال الحكومة، والمتمثل بالتعيينات المرتقبة.
ولا تخفي هذه المصادر خشيتها أن تكون محاولة الحريري إظهار قوته، قد أكدت ضعفه، لأن البلاد في حاجة الى استعادة توازنها، كما انها في حاجة الى حريري قوي لما يمثله من اعتدال وهدوء، ولئلا تصبح قوته في ضعفه.
قراءات كهذه لا تعكس ارتياحا كاملا في الوسط السني الى مواقف الحريري إذا توقفت عند هذا الحد، إذ لا يكفي في رأيها كسر حاجز الصمت بعدما تخطى الآخرون كل الحدود. فعلى أهمية هذه النقطة، على ما تقول الاوساط “المستقبلية”، كاشفة لدى سؤالها ما اذا كان الكلام ادى غايته لجهة تنفيس الاحتقان في اوساط الطائفة، انه لا يزال من المبكر الحكم لاكثر من سبب أولها ان حجم الغضب كان أكبر بكثير من ان تطفئه اطلالة يتيمة لزعيم الطائفة في ظل الكم الهائل من الاستهدافات التي بقيت من دون رد، فضلا عن الشارع يريد ان يرى ترجمة لهذا الكلام.
ولفت امس ان هذا الموقف يتقاطع مع مواقف مماثلة في اوساط سنية معارضة للحريري، لكنها تعود لتلتقي معه عند مسألة المس بالصلاحيات.
ولعل أول ترجمة عبّر عنها الحريري لممارسته الصلاحيات المنوطة بموقعه على رأس السلطة التنفيذية، تمثلت بعدم دعوته الى عقد جلسة لمجلس الوزراء، وهو قادر على عدم القيام بذلك ما دام يريد، وعندها تقف عجلة العمل الحكومي وتدخل البلاد في دائرة التصعيد. ليس هذا الكلام وفق الاوساط الا للدلالة على ان الحريري يدرك تماما ما هي صلاحياته، لكنه ليس في وارد الذهاب في خيارات التصعيد لأنها ستأخذ البلاد الى المجهول، كما قال، وهو يعني ذلك فعلا لأنه مدرك الى اين يمكن ان تؤدي الامور اذا فتحت البلاد على المواجهة.