
أحمد عياش – النهار
عودة اللبناني نزار زكا الى الوطن لن تطوي الاسئلة حول الاسباب التي أدت الى إفراج السلطات الايرانية عنه بعد اعتقال قارب الأربعة أعوام. وأكثر هذه الاسئلة إلحاحاً يتعلق بالهدف الذي برز فجأة في الأيام الأخيرة وأدى الى وضع طهران الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في صدارة هذا الحدث، بعدما قالت إن الامر محصور بين الرئيس الايراني حسن روحاني وبين رئيس الجمهورية ميشال عون؟
تمهيداً للجواب عن هذا السؤال، وفق معطيات مصادر شيعية لـ”النهار”، استرعى انتباه المراقبين “البرودة” التي تعامل بها الحزب والاوساط السياسية والاعلامية التابعة له مع موضوع زكا، ما طرح تساؤلات حول حقيقة موقف هذا التنظيم الذي يعتبر نفسه لصيقاً بالوليّ الفقيه الايراني. فهل تعني هذه “البرودة” ان “حزب الله” غير موافق على إقحامه في هذا الملف الذي يدور حول “جاسوس” يعمل لمصلحة الولايات المتحدة الاميركية، فعبّر عن عدم الموافقة هذه عن طريق عدم الاكتراث؟وفي السياق نفسه، توقف المراقبون عند النبأ الذي أبرزه الاعلام الايراني والتابع للحزب، ويتعلق بـ”رسالة تعزية ومؤاساة” بعث بها “قائد الثورة الاسلامية السيد علي الخامنئي” الى نصرالله “إثر وفاة شقيقته”. وكانت شقيقة الامين العام للحزب قد وافتها المنية قبل أيام، وقام بالتعزية بها وقتذاك باسم الجمهورية الاسلامية وزير الخارجية محمد جواد ظريف.
ما يعطي بعض الايضاحات لهذه الاشكالية المتصلة بالموقف من إطلاق زكا، هو في تقدير الاوساط الشيعية، ان “حزب الله” كان منذ نشأته، في بداية الثمانينات من القرن الماضي، الاداة التي استخدمتها الجمهورية الاسلامية لتغطية دورها في خطف الاجانب في لبنان، وأسر جنود اسرائيليين على الجانب الاسرائيلي من الحدود مع لبنان، والتفاوض غير المباشر مع تل أبيب لتحرير الاسرى اللبنانيين والفلسطينيين ومن جنسيات عربية أخرى من السجون الاسرائيلية. وقد أدت هذه الوظيفة التي أسندتها طهران الى التنظيم اللبناني التابع لها في تموز من العام 2006، الى حرب مدمّرة شنتها إسرائيل على لبنان.
تضيف هذه الاوساط، انها المرة الاولى في تاريخ “حزب الله” تسند فيها إيران الى أمين عام للحزب مهمة إطلاق سجين أجنبي في طهران. ونستعيد هنا الجدل الذي أثارته وكالة “فارس” الايرانية شبه الرسمية، عندما قالت إن أمر موافقة طهران على إطلاق زكا و”تسليم هذا الجاسوس الاميركي – اللبناني يأتي فقط بناء على طلب ووساطة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ولم تجر في هذا السياق اي مفاوضات في اي مستوى مع اي شخص او حكومة، وان هذا الامر تحقق فقط بناء على احترام ومكانة السيد نصرالله لدى الجمهورية الاسلامية الايرانية”. ثم صدرت توضيحات من طهران لتسند “فضل” الموافقة الى “طلب من الرئيس اللبناني العماد ميشال عون … الى الرئيس الشيخ حسن روحاني”. وفي تصريح خاص لموقع “العهد” الاخباري (التابع للحزب)، أعلن الناطق باسم المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني كيوان خسروي أن “الجمهورية الاسلامية الايرانية اتخذت هذا القرار لإبداء نياتها الحسنة في اطار التعاون الثنائي بين ايران ولبنان وتعزيز الوشائج بين الشعبين”.
ورداً على سؤال لـ”العهد” حول جنسية نزار زكا الأميركية واحتمال أن يكون لبلد ثالث دور في الافراج عنه، أجاب “إن أي بلد ثالث لم يلعب دوراً في عملية الإفراج عن نزار زكا، وهذا الاجراء جاء فقط على أساس طلب الرئيس اللبناني ووساطة نصرالله”. وأشار خسروي الى “الدور المؤثر” للأمين العام لـ”حزب الله” في اتخاذ هذا القرار من جانب ايران، وقال: “نظراً الى الدور المهم والمؤثر للسيد ميشال عون رئيس الجمهورية اللبنانية في دعم تيار المقاومة، فقد تم تلبية طلبه”.
وفي اليوم ذاته لظهور زكا برفقة المدير العام للامن العام اللواء عباس إبرهيم في قصر بعبدا، إستمرت وكالة “فارس” في التعامل نفسه تقريباً مع الحدث، فقالت: “غادر الجاسوس اللبناني الأميركي نزار زكا، الذي أُطلق سراحه بشكل مشروط، إيران متوجهاً إلى لبنان”. وأوردت ما قاله الناطق باسم السلطة القضائية في طهران غلام حسين إسماعيلي خلال مؤتمر صحافي: “… واجهنا طلب الرئيس اللبناني بخصوص الإفراج المشروط عن هذا المواطن، فيما اعتبر حزب الله ان تلبية هذا الطلب تخدم مصلحة البلاد، ومن هنا أحلنا الطلب الى المحكمة… كما اكد الرئيس اللبناني وحزب الله ان هذا الشخص سوف لن يرتكب اية مخالفة من جديد عقب الافراج عنه…”.
هل هذا هو واقع الحال مع زكا؟ بالتأكيد ليس هو هذا الواقع، كما وصفته سلطات طهران. ومَن تابع البيان الذي تلاه المواطن اللبناني العائد من المعتقل الايراني، يلمس صلابةً في دحض الادعاءات الايرانية بحقه: “… لم يتغير بي شيء: لا عمالة ولا عمولة. لا اريد ان اخوض في تفاصيل الخطف والاعتقال والتهمة الباطلة ومجرى التحقيقات والمحاكمة الصورية”.
ماذا بعد؟ يقول زكا أيضا: “لا أخفي ان هذه المبادرة أتت بنتائج ايجابية اقليمياً، وعلى ما يبدو انها أوقفت الكثير مما كان يمكن ان يصيب المنطقة”. فيما أبلغ وزير الخارجية جبران باسيل، خلال وجوده في لندن، محطة الـ CNN التلفزيونية، ان إطلاق زكا يعدّ “إشارة إيجابية”. ورداً على سؤال عما إذا كانت هذه الخطوة رسالة إلى الولايات المتحدة أيضا، قال باسيل: “ربما تكون”.
يبقى هناك، وفق الاوساط الشيعية ذاتها، ان “حزب الله” صار وسيطاً بين بيروت وطهران. ولا ضير هنا ان يكون محور هذه الوساطة “جاسوس”، بحسب التوصيف الايراني. وهذا يعني ان التكليف الايراني للحزب دخل مرحلة جديدة غير مسبوقة. وفي هذه المرحلة، لا تجد طهران حرجاً في ان يكون الحزب بشخص أمينه العام هو مَن يتولى وساطة إطلاق سراح مَن تعتبره السلطات الايرانية “جاسوساً”، ما يناقض دور الحزب الشهير في “تحرير الاسرى من السجون الاسرائيلية”. وتخلص الاوساط الى القول: “ان حزب الله في موقف حرج. لكن الحرج الفعلي هو في طهران التي باتت مضطرة الى مخاطبة واشنطن بهذه الطريقة التي لم تراعِ الدور التاريخي لحزبها في لبنان”.