”المارونية السياسية” آلية لـ”الشيعية السياسية”!

روزانا بومنصف – النهار

لا ينكر سياسيون حتى من المنتقدين بقوة لأداء الوزير جبران باسيل نجاحه وفي ضوء اعتبارات كثيرة في استعادة العديد من الوظائف المسيحية التي كانت موزعة الاتجاهات في الفترة التي سبقت عودة العماد ميشال عون من فرنسا في زمن الوصاية السورية ولكنه نجح اكثر بفعل التسوية التي ادت الى انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية. وكان هناك اتفاق بين التيار العوني وحزب “القوات اللبنانية” يقضي من بين ما تضمنه باقتسام الوظائف المسيحية لولا الانقلاب على “تفاهم معراب” بحيث ان الصراع مفتوح داخل الطائفة المارونية ولدى المسيحيين عموما من اجل حصر كل الوظائف او الحصة المسيحية بالتيار العوني بحجة انه الممثل الاقوى للمسيحيين وفق اعتباره استنادا الى التمثيل النيابي والحكومي. وهناك اتهامات لباسيل بالسعي الى مد اليد على وظائف وتعيينات من الطوائف السنية والدرزية نسبة الى شمول حصة رئيس الجمهورية الحكومية وزراء من الطوائف الاخرى. وهذا بالنسبة الى السياسيين المعنيين ليس بالامر المستغرب وان كان يثير حساسية الطوائف وافرقاء سياسيين كثر انطلاقا من انه ايا يكن موقع باسيل اتيحت له فرصة الاستفادة القصوى من وجود التيار الذي يرأس في الحكم لكن هناك سياسيين يلومون من يتيح لباسيل القدرة او المجال من اجل تحقيق ذلك اكثر من لومه في اطار سعيه الى تعزيز اوراقه للرئاسة الاولى. الا ان ثمة فارقا كبيرا في رأي هؤلاء بين هذه المكاسب والقدرة على استعادة زمن المارونية السياسية التي استحضرها باسيل في لقائه مع ممثلين عن سنة من المنطقة البقاعية. يقول هؤلاء السياسيون ان هناك وهما كبيرا بامكان العودة الى زمن المارونية السياسية على رغم محاولات السعي الى تزخيم موقع رئاسة الجمهورية بصلاحيات يستعيد السياسيون في سياقها قول باسيل انه يستعيدها بالممارسة وليس بتعديل اتفاق الطائف. فالمارونية السياسية يقول هؤلاء لم تكن يوما مجرد وظائف في الدولة او صلاحيات في الممارسة اليومية بل كانت سلطة قائمة في حد ذاتها من حيث القرار السياسي علما ان شكلا من اشكالها كان مترجما في وظائف وتعيينات تمتد الى الطوائف الاخرى. لكن هذا الدور يقوم به “حزب الله” اليوم ان في السعي الى اقتطاع صلاحيات بالممارسة كما يفعل باسيل او حين يضع الحزب على حصة من داخل الطوائف السنية والدرزية مثلا وحتى المسيحية في شكل اساسي علما ان الحصة المسيحية الاساسية متروكة لباسيل من اجل التضييق على “القوات اللبنانية”.




ولذلك فان المقاعد الوزارية من الطوائف الاخرى هي اقرب الى “حزب الله” ومن ضمن حصته ولو تحت سقف التيار العوني لاعتبارات تكتية داخلية. يشهد على ذلك اختلاق “اللقاء التشاوري” من الطائفة السنية لكسر احتكار “تيار المستقبل” للطائفة، وهو تطور مهم في اطار التوازن الداخلي الذي اختل بفعل مد “حزب الله” يده الى الطائفة السنية وانتزاع مسألة العدد من “تيار المستقبل” خصوصا ان بعض المعطيات تتحدث عن حوار بينه وبين “الجماعة الاسلامية” في اطار ما قد يجمعهما من تصنيف اميركي لكليهما بالارهاب. وتغطية الحزب تضييقا على الزعيم الدرزي وليد جنبلاط معروفة من خلال دعم شخصيات درزية وصولا الى اعلان القطيعة معه بسبب معمل ال فتوش في عين داره والتي كسرتها ربما وجهت دعوة من الحزب الى الاشتراكي من اجل المشاركة بالاحتفال بيوم القدس قبل ايام.

بالعودة الى ايام قليلة سابقة فان الخطاب الذي اطلقه الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله وعدم وجود اي رد فعل على كلامه من اي موقع رسمي علما انه حدد بوضوح اطر السياسة الداخلية والخارجية معا ومراعاة فريق رئيس الجمهورية الحزب بعدم المشاركة في القمة العربية التي عقدت في المملكة السعودية لا تترك مجالا للشك بان الزمن هو زمن الشيعية السياسية وليس المارونية السياسية. ومن غير المرجح باي شكل من الاشكال بالنسبة الى السياسيين المعنيين ان يكون التحالف بين التيار العوني والحزب يمكن ان يؤدي او سيؤدي الى اعادة انتاج المارونية السياسية. فهذا وهم لان الامور لن تعود الى الوراء حتى لو تم نسف اتفاق الطائف. ففي حال تجاوزه القائم فعلا وعملا لكن بما يتيح تعديله، فان هذا الامر لن يكون لمصلحة استعادة المارونية السياسية بل لمصلحة الشيعية السياسية من زاوية ان رفع السقوف المعتمدة من الامين العام للحزب انما تهدف الى رفع الاثمان ايضا. فاذا كان ثمة حل ان لموضوع السلاح او استيعابه او لاي امر اخر يتصل بالحزب فانما يعني ذلك تكريسا للسلطة التي تمارسها راهنا الشيعية السياسية. وهو امر يعني ان اي ثمن سيكون للحزب في السلطة له ولما يمثله على الصعيد السياسي والطائفي خصوصا انه اذا كان الحزب سيتخلى يوما عن سلاحه فانما في “دولة” بسلطته كليا وليس اعادة السلطة الى الموارنة حتى لو اوصل مرشحه الرئاسي الى رئاسة الجمهورية في اطار المزيد من الاطمئنان والضمانة له. فزمن المارونية السياسية لن يعود مجددا لان الزمن لا يعود الى الوراء. وينبغي الاقرار بان قيادات سياسية سنية تستهين بقوة بهذا التعبير على رغم انتقادها الكبير لمحاولة تجاوز اتفاق الطائف بالسعي الى “استعادة الصلاحيات الرئاسية” لكنها تعتبر ان ما يجري يندرج في اطار “العنصرية السياسية” وليس المارونية السياسية نسبة الى الاستفزازات التي يعتبرون ان رئيس التيار العوني يقوم بها. فيما لا يخفي اخرون ان يكون السعي الى “المارونية السياسية” يندرج من ضمن الية تحقيق “الشيعية السياسية” ليس الا.