
رضوان عقيل – النهار
لا يخفي الرئيس نبيه بري عدم رضاه عن اداء الحكومة وانقطاعها عن عقد جلسات متتالية، على الرغم من حجم الملفات التي تحتاج الى متابعة بعد إتمام الموازنة العامة بشق النفس، وقد حطّت رحالها في البرلمان. ويشبّه سير الحكومة بـ”السلحفاة” التي تسير ببطء مع انتاجية قليلة، في ظل التحديات الاقتصادية التي تهدد البلد. ويلتقي هنا مع رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يرفع الصوت ويحذر من غرق “تيتانيك لبنان”، وعندها لن تنفع كل هذه الخلافات والمناكفات المتنقلة. ويبقى أن ما يريده هو الخوض في مناقشة الأولويات الحكومية ووضع خطة طوارئ اقتصادية ثاقبة بعيدة من سياسات المصالح الصغيرة، على أن يكون معيار الحسابات أولاً مصالح المواطنين. ولسان حاله يقول ان الاتفاقات بين القوى يجب ألا تكون على حسابات اللبنانيين الذين تلوّعوا من عقد صفقات مالية جانبية بين عدد من الافرقاء.
لا تفارق بري كل هذه الهواجس، ولا سيما في ظل تصاعد اهتمامات اكثر من فريق في البلد بمتابعة ما سترسو عليه العلاقات بين الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل، والتي بات من المسلم انها تسير في شكل متقدم بين الطرفين، ولا سيما أنهما الأقدر على تسويق ما يريدانه في الحكومة، اضافة الى تحقيق مصالحهما المشتركة القائمة على المصالح المتبادلة، وإن تكن الغلبة للعونيين.
وكان الحريري ردد في حلقة ضيقة أمام فريقه ان لا مفر من التفاهم مع “التيار الوطني الحر” والتعاون معه بعدما لمس انه الفريق الوحيد الى جانب “حزب الله” الذي يقدم رؤية اقتصادية متماسكة ومدروسة بعناية. وانه من الأسهل له هنا العمل مع باسيل لاعتبارات عدة وأبعد مدى، ولا سيما بعد تلمسه ان “التيار” يملك بالفعل جملة من المشاريع والخطط المالية والاقتصادية، يمكن في حال تطبيقها الحفاظ على الاقتصاد والنهوض به وعدم الوقوع في المجهول. ويتوقف الحريري هنا عند مقاربات “حزب الله” الاقتصادية التي يرحب بها في الصالونات المغلقة، وتقوم على جبه مكامن الفساد في أكثر من ادارة ومنع الهدر والحد من أذرع أخطبوطه المتمددة في وزارات ومؤسسات عامة.
ويقول الحريري إنه مستعد للتعامل مع الحزب “على القطعة”، فيما يجد أن سلوك مساحة دائرة التعاون مع باسيل أفضل وأكثر اطمئناناً لاعتبارات عدة.
وعندما يطلق الحريري مثل هذه المواقف يعني ان وجوهاً عدة في “المستقبل” ومحيطه لن تقبل مثل هذه الطروحات. ويبقى لسان حاله التسليم بهذا الخيار حتى لو كان طعمه مراً، جراء سطوة باسيل وعناده الشديد في الدفاع عن رؤيته وسط سياسة لا تخلو من الصلابة لتحقيق ما يريد. وهذا ما سيظهره من دون قفازات في ملف التعيينات. ولم يكن من المستغرب هنا دعوة رئيس الحكومة كوادر “تيار المستقبل” الى البعد عن الخلافات والتباين في وجهات النظر مع العونيين، من باب ان البلد لا يتحمل سياسات التراخي الاقتصادي. وينطلق من مسلمة أنه إذا تدحرج الوضع الاقتصادي في البلد ولم يعد قادراً على الاستمرار بهذه الطريقة من المراوحة والخلافات، سيكون هو أولى الضحايا في حال حصول انهيارات اقتصادية، وسيحمّله اللبنانيون مسؤولية هذا التدهور.
لذلك يتلقى بارتياح المقاربة الاقتصادية الشاملة للعونيين تجنباً للسير على “درب السكين” بحسب تعبيره. ويبدو على الموجة نفسها مع باسيل في مقاربة الموازنة العامة، باعتبار أن الوقت لم يعد يسمح بممارسة سياسة البطولات الشعبية امام المواطنين. والمطلوب في النهاية تحصين مالية الدولة لتكون قادرة على مواجهة الدين العام وتأمين الرواتب والنفقات المطلوبة.
أمام هذه المشهدية، لم يخف بري تحفظاته عن مسار عمل الحكومة، في وقت يعبّر فيه عن رضاه على اداء البرلمان وحيوية لجانه، ويلوّح بعقد جلسات محاسبة لملف التعاقد العشوائي الذي تم في العدد الاكبر من الوزارات والادارات التي ضمت الى صفوف موظفيها أكثر من 10 آلاف موظف بطرق غير قانونية والتفافية، وسيدعو الى جلسات محاسبة للوزراء الذين شاركوا في هذه التجاوزات حتى لو وصل الأمر الى طرح الثقة بالوزير او اقدام الحكومة على محاسبة المدير العام المخالف.