
روزانا بومنصف – النهار
تقتضي الموضوعية الإقرار بأنه حين قدم رئيس التيار العوني وزير الخارجية جبران باسيل اقتراحاته من اجل جعل الموازنة اصلاحية، استفاد من الملاحظات التي ساقها مختلف الافرقاء الشركاء في مجلس الوزراء في تعليقاتهم شبه اليومية التي تفيد بأن الموازنة لا ترقى الى أن تكون اصلاحية او إنقاذية من اجل النفاذ الى ان يقدم اقتراحات جديدة يفترض انها احرجت الجميع نتيجة مواقفهم، ولو اخذوا على باسيل اقتناصه اللحظة الاخيرة قبل صدور الموازنة من اجل تقديم اقتراحاته. وهذا يسري مثلا على “حزب الله” الحليف لباسيل الذي اعتبرت كتلته النيابية “ان الموازنة لم تجسد رؤية اصلاحية متماسكة” كما يسري على حزب “القوات اللبنانية” الذي قال وزراؤه ان غالبية اقتراحات باسيل سبق ان قدموها هم، ما يعني انه لا يمكن نفي جدواها في المطلق. واللعبة في هذا الاطار سياسية بطبيعة الحال ومكشوفة، في ظل اعتبار جميع الافرقاء من دون استثناء ان تحرك باسيل يندرج في اطار فرض ما يعتبره رؤية اقتصادية لدى العهد، فيقوي رصيده في الداخل، لا بل في الخارج خصوصا، ويكرس نفوذا على قطاعات ليست من صلاحياته متجاوزا رئاسة مجلس الوزراء والوزراء المعنيين. وهذا ما أدى الى مشكلة تفاعلت بعيدا من الاعلام، إن على مستوى رئاسة الوزراء وصلاحياتها، وكان رد فعل الرئيس نجيب ميقاتي لافتا جدا بهذا المعنى ومعبرا، او في ضرب صدقية الحكومة ووزارة المال ايضا لمصلحة إبراز باسيل نفسه وأفكاره.
المشكلة في السياسة ان الافرقاء أحرجوا برفض اقتراحات يمكن أن تساهم في تعزيز ما انتقدوا غيابه من الموازنة، فيما سجّل خبراء اقتصاديون على وزير المال علي حسن خليل ترك ثغر يستكملها الافرقاء السياسيون في مشروعه الاخير للموازنة، علما أنه أشرف على تحضير أكثر من موازنة حتى الآن لهذه السنة فحسب من دون ان يعني ذلك ان ليس على الافرقاء الآخرين ألا يقدموا اقتراحات، خصوصا ان وزارة المال تحضّر الموازنة مع كل الوزارات. لكن بين موازنة 2018 الكارثية التي انتهت بنسبة عجز تخطت العجز المقدر بنقاط عدة، والتقديرات لكلفة سلسلة الرتب والراوتب، قدّم باسيل المبررات للاندفاع في عرض اقتراحاته. وفيما دافع وزير المال عن نهائية مشروع الموازنة أكثر من مرة خلال الاسبوع الماضي، فإن ثمة من سجل عليه مغالطة دستورية وقانونية في تغريدة قال فيها: “وجهنا تعميما الى الوزارات والادارات حول البدء باعداد مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2020، والذي من المرتقب ان يبدأ نقاشه الاسبوع المقبل”. وهذا يندرج في اطار الرد على اقتراحات باسيل من زاوية ان مشروع السنة المقبلة يمكن ان يكون أكثر إصلاحا من الموازنة الراهنة التي لم يبق لتنفيذها سوى ستة اشهر من السنة. لكن الموازنة المقبلة يبدأ اعدادها وفق المادة 13 في قانون المحاسبة العمومية في شهر أيار، على أن تقدم في أواخر آب او مطلع ايلول المقبل. وأخذ على خليل في نهائية الموازنة كما قال ان الجلسة الاخيرة في قصر بعبدا مهمة وربما تشهد تعديلات على الموازنة بما لا يجعلها كذلك.
في الدفاع عن أنفسهم، يقول وزراء ان الوزير باسيل بات نمطيا بحيث غدا من السذاجة عدم توقع حركة او اداء ما في كل استحقاق او محطة، بحيث يقول فيها انه يمتلك المبادرة والقرار. فمنذ مفاخرته شخصيا بأن تعطيل انتخابات الرئاسة لمدة عامين ونصف عام أدى الى وصول العماد ميشال عون الى الرئاسة، عمد الى الاسلوب نفسه في إعداد قانون الانتخاب، ما ساهم في تأخير الوصول اليه حتى فرض التعديلات التي أرادها، ثم في المماطة في تأليف الحكومة من دون إيلائه اي اهتمام لعامل الوقت، باعتبار ان احدا لم يحاسبه على ذلك، ولو ان الأمر كان مكلفا للبلد على نحو مخيف، واخيرا في مشروع الموازنة. ويردد مرجع حكومي سابق انه لو لم يثمر هذا الاسلوب في التعطيل لما تم اعتماده مرة بعد مرة، وهو نتيجة لعدم التصدي لهذا الاسلوب، بل مكافأته على نحو غير مباشر. لذلك يقول هؤلاء الوزراء ان توقيته في عرض اقتراحاته سياسي بامتياز ويصب من ضمن النمطية نفسها تحت وطأة تعطيل اقرار مشروع الموازنة ما لم يؤخذ بهذه الاقتراحات، علما انه شارك في الاجتماعات الاولية التي عقدها رئيس الحكومة وكان يمكنه التقدم بها في أولى جلسات مناقشة الموازنة، علما أن مضمون الاقتراحات في ذاته لا يراه خبراء اقتصاديون سيئا إذا تضمن النسخة النهائية للموازنة بعضا منها، من دون ان يعني ذلك انها ستكون الرؤية الاصلاحية او الاقتصادية المنشودة لإنقاذ الوضع على المدى الطويل، بل ان بعض الخبراء وجدوا الاقتراحات جيدة وإيجابية، وعرضها رئيس الحكومة نقطة نقطة. لكن الامر يبقى رهنا بعاملين، إذ إنه صحيح أن المزيد من خفض العجز يؤدي الى ارسال اشارات ايجابية الى الخارج، خصوصا مؤسسات التصنيف الدولية، لكن المسألة تبقى رهنا بالتزام الوزارات ومؤسسات الدولة الخفض الذي لحظته الموازنة من جهة، ووجود مسار للمضي قدما في اتجاه المعالجة الانقاذية من جهة أخرى، انطلاقا من الموازنة الحالية وصولا الى موازنة سنة 2020 التي يجب ان تظهر في الاشهر القليلة المقبلة. وهناك جانب يتعلق بالوزير باسيل بالذات في ظل وجود وزارة الطاقة في عهدة تياره، مع تعهد وزيرة الطاقة تحسين الجباية بما يقارب 400 مليار ليرة قبل نهاية السنة. فهذا جزء مهمّ لا يفترض أن يبقى على الورق او في الهواء، وهنا المحكّ الحقيقي لباسيل.