
أحمد عياش – النهار
من يتابع مقاربات “حزب الله” على مستويات عدة، يتبيّن له أنه أمام تنظيم مختلف عما كان عليه قبل أسابيع. والبرهان على هذا التقدير، أن الحزب في مناقشات مجلس الوزراء الحامية لإقرار مشروع الموازنة، هو الأكثر هدوءاً تقريباً، وفق معلومات من مصادر وزارية لـ “النهار”. كما أن الحزب في متابعة ملف الحدود مع إسرائيل، بشقيّها البري والبحري، ليس ذلك الحزب الذي هدّد يوماً بـ “اقتحام الجليل”، أو “تكليف ضفادعه البشرية” بنسف التجهيزات البحرية الاسرائيلية المجاورة للبنان. هل من معطيات يمكن الركون اليها لتفسير هذا التحوّل في سلوك الحزب؟
في معلومات من مصادر ديبلوماسية لـ “النهار”، أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني، زار أخيراً بيروت مثلما زار بغداد. غير أن زيارة سليماني للعاصمة العراقية، احتلت واجهة الاحداث بسبب تسريب نبأ اللقاء الذي جمع الجنرال الايراني مع قيادة “الحشد الشعبي” العراقي. ففي 17 أيار الجاري، نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تقريراً في صدر صفحتها الأولى حمل عنوان “إيران تطلب من ميليشيات الاستعداد لخوض حرب بالوكالة في الشرق الأوسط”. وأوضحت الصحيفة “أن الإدارة الأميركية أجلت موظفيها من بغداد وإربيل إثر وصول هذه المعلومات إلى السفارة الأميركية في بغداد، كما رفعت مستوى التأهب في القواعد العسكرية في العراق وفي مواقع مختلفة في منطقة الخليج بعدما شعرت أن مصالحها فيها قد تكون عُرضة للخطر”.
في المقابل، تحوّل المشهد الإعلامي لـ “حزب الله” وفي سائر الوسائل التابعة له، من التركيز على وقائع المواجهة الأميركية-الإيرانية مباشرة الى التركيز على ما يقوم به الحوثيون ضد المملكة العربية السعودية والامارات. حتى إن العمايات العسكرية الاسرائيلية المستمرة ضد الاهداف الايرانية في سوريا غابت كلياً عن متابعة “حزب الله”. واقتصر موقف الحزب على عبارات مقتضبة وزعها إعلامه أخيراً حول اللقاء الذي جمع نائب الامين العام الشيخ نعيم قاسم مع الممثل الشخصي للأمين العام للامم المتحدة في لبنان يان كوبيش. وفي هذا اللقاء حمّل قاسم “كلاً من الولايات المتحدة واسرائيل المسؤولية عن حال التصعيد والتوتر في المنطقة”. وفي الوقت نفسه، أكد قاسم أن “حزب الله يعمل مع كل الأفرقاء اللبنانيين من أجل تحقيق الاستقرار السياسي والتوازن المالي والتعافي الاقتصادي”.
على الرغم من ندرة المعلومات حول زيارة سليماني لبيروت، فإن خبراء في الملف الايراني تحدثت اليهم “النهار”، أفادوا ان إمكانية توظيف قدرات “حزب الله” في المواجهة القائمة بين طهران وواشنطن، تختلف كلياً عن الإمكانات المتاحة لتوظيف ورقة الحوثيين. ففي لبنان، تقف قدرات الذراع الايرانية عند خطوط حمر لا يستطيع الطرف الايراني المخاطرة بتوظيفها الان، كي لا يفقدها في حال أدت الى مواجهة قبل أوانها مع إسرائيل. وفي السياق، أفاد هؤلاء الخبراء بأن سلوك الحزب راهناً، يقتضي اعتماد سياسة ضبط النفس الى أقصى حد، كي يتم العبور الى مرحلة الفصل الختامي في المواجهة الاميركية-الايرانية، والتي سيتقرر خلالها مدى الحاجة للزج بـ”حزب الله” في أتون الصراع ، كما كانت الحال في حرب تموز 2006.
هل يمكن القول إن “المرونة” التي أبداها “حزب الله” حيال الوساطة الاميركية التي انطلق بها أخيراً مساعد وزير الخارجية الاميركية ديفيد ساترفيلد، لتسوية النزاع الحدودي بين لبنان وإسرائيل، هي موقتة؟ يجيب الخبراء بالتأكيد على ان تجاوب الحزب، بصورة غير مباشرة، مع المبادرة الاميركية الجديدة، هو فعلاً تصرف تكتيكي، مرتبط بما ستنتهي اليه تطورات المنطقة. ولا تجد قيادة “حزب الله” ضيراً في ان يتمتع الحكم اللبناني ببعض الهوامش في متابعة الملفات المطروحة في الداخل وفي الجنوب، على قاعدة ان “التشاور” بينها وبين الحكم مستمر بما لا تؤدي هذه الهوامش الى المس بامتيازات الحزب الاستراتيجية.
تذهب أوساط نيابية بارزة إلى القول عبر “النهار”، ان احتمال التوصل الى تسوية بين واشنطن وطهران، لتسوية النزاع القائم بينهما، لا يجب إسقاطه من الحسبان. وتمضي الى القول أيضاً، ان تسوية أميركية-إيرانية، ستشمل لبنان، بما يمنح “حزب الله” دوراً، قد يبدو مستحيلاً اليوم، لكنه سيكون محتملاً مستقبلاً، ويقضي بأن يكون الحزب جزءاً من الاستقرار الداخلي الى جانب الجيش، بما يدخل لبنان في دائرة الانتظام الاقليمي.
بالعودة الى المشهد الداخلي الراهن، لا ينكر أحد حالياً، أن “حزب الله” هو أكثر الاطراف خارج حلبة الضجيج في الشأنين المحلي والاسرائيلي. وليس مستبعداً، عندما يطلّ الأمين العام السيد حسن نصرالله قريباً، أن يثبت هذا الواقع. إذ من غير المستبعد، أن يصبّ نصرالله كل حملاته الكلامية على السعودية والامارات، مثلما يفعل الحوثي ميدانياً. أما الكلام على إسرائيل والولايات المتحدة، فلن يتجاوز ما يمكن وصفه بـ “الطلقات التذكيرية”؟