غسان الحجار - النهار

مع ”الأخبار”… انتصاراً للصحافة – غسان الحجار – النهار

لا أوافق جريدة “الاخبار” في بعض حملاتها الممنهجة وفي تعاملها غير السوي مع زميلاتها وفي حقدها الدفين على “النهار” حيث لا قيم تتبعها في ذلك، شأنها شأن معظم اليسار المتطرف الذي لم يأخذ من اليسار، بما هو نوع من العدالة الاجتماعية، إلا أشكال التطرف المؤذية. لكني التزاماً بما أومن به، وبالتقليد المتعارف عليه في “النهار”، وعلى خطى جبران تويني الذي تضامن ذات يوم مع قناة “المنار” رغم كل الحقد الذي كانت تبثه المحطة ضده، رفضاً لاستفراد المؤسسات الاعلامية والاستقواء عليها، وفرض قيود على حرية التعبير، لانه آمن بالحرية أولاً، ولانه ادرك ثانياً أن الحصان الابيض أُكِل يوم أُكِل الحصان الاسود، أي أن المصير يصبح متلازماً متى سقطت المحرمات وانتُهكت الحريات، وانطلاقاً من مجموعة قيم مهنية واخلاقية، والأهم مبدئية، أراني ملزماً اعلان الرفض التام لدخول عناصر من “أمن الدولة” مبنى الكونكورد وطلب الحصول على تسجيلات كاميرات المراقبة للاطلاع على هوية زوار جريدة “الاخبار” كنوع من الترهيب المعنوي، غير المجدي اصلاً، وخصوصاً لصحيفة تعلن للملأ انها ليست “تحت سقف القانون”.

فالصحيفة، كما ذكرت في مقال سابق، انجزت عملاً مهنياً، حصلت بموجبه على محاضر “سرية” (مبدئياً) ونشرتها ربما لأسباب سياسية غير مجدية اصلاً في البلد المنقسم على ذاته. التحقيق يجب أن ينصبّ على دوائر وزارة الخارجية، لاعادة تنظيم البيت الداخلي وترتيبه، لا رمي المسؤولية على الاعلام، ومحاولة تحميله النتائج كما يحصل غالباً. فالسياسيون كلما صرّحوا بأمور تسيء إلى علاقاتهم بالغير، وتراجعوا، اتهموا الاعلام باقتطاع اجزاء من كلامهم “الجوهري” بما اضاع المعنى الحقيقي العميق وشوّهه. هكذا يتنصلون من المسؤولية، ويحوّلون الإعلام مذنبا ومسيئا للوحدة الوطنية والعيش المشترك وسوى ذلك من عناوين فضفاضة.




واذا كان التحقيق الاولي في الخارجية توصّل إلى هوية مسرّب المحاضر وهو سفير صديق لناشر “الاخبار”، فان ما ذكرته الصحيفة (ربما في محاولة لتغطية السفير وتبرئته) عن حصولها على المحاضر قبل تسجيلها في امانة سر الخارجية، اي انها ممهورة بخاتم السفارة اللبنانية في واشنطن فقط، وانها كانت لا تزال محصورة ما بين المرسِل والمرسَل اليه، فأمر يستدعي التوسع في التحقيق، لا الاكتفاء بايجاد، او ابتداع ضحية، للتباهي الاعلامي.

والوزير جبران باسيل الذي تجرأ على فتح الملف، مسؤول عن المضي به إلى النهاية، لإثبات صدقيته في الموضوع، وفي مكافحة الفساد في وزارته، وفي الدولة بشكل عام، لان التسريب على هذا النحو ليس الا فساداً وتفلّتاً ادارياً وارتهاناً لأشخاص أو مؤسسات ليس واضحاً الثمن الذي تقدمه مقابل الخدمة.

خلاصة القول، إن البحث يجب ان ينصبّ على الاسباب، لا على النتائج، وألا يتم اتهام الاعلام وملاحقته في كل حين، ومحاولة ترهيب المؤسسات الاعلامية بوسائل غير ديموقراطية، ومن خارج اطار العمل المؤسساتي. واذا كان من خطأ ارتُكب من “الاخبار” او من سواها، فليكن قانون المطبوعات هو الحَكَم، وله الكلمة الفصل. هكذا تنتصر دولة القانون.