ماذا وراء إلغاء تأشيرات أميركية لشخصيات من خارج ”حزب الله”؟

أحمد عياش – النهار

تواترت كثيرا المعلومات التي تفيد عن عزم الادارة الاميركية توسيع دائرة العقوبات التي تستهدف “حزب الله” لتشمل جهات متعاونة معه. وها هي المعلومات الواردة أخيرا الى بيروت تفيد ان هذا الاجراء الاميركي قد دخل فعلاً حيّز التنفيذ، ما يشير الى بدء مرحلة جديدة من التعامل الاميركي مع لبنان ستتبدل فيها القواعد التي عرفها اللبنانيون على امتداد عقود خلت.




قبل عرض هذه المعلومات، عكف معنيون بملف العلاقات اللبنانية – الاميركية على متابعة نتائج زيارة الوفد اللبناني منذ فترة قصيرة للعاصمة الاميركية، والذي مثّل في وقت واحد، حركة “أمل” و”التيار الوطني الحر”. فقد ضم الوفد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب النائب ياسين جابر ورئيس لجنة المال والموازنة النائب ابرهيم كنعان والسيد علي حمدان مستشار الرئيس نبيه بري. وأبرزت التصريحات التي رافقت زيارة الوفد خلال وجوده في الولايات المتحدة، وبعد عودته منها، نفياً للانباء التي تحدثت سابقا عن عقوبات تعتزم السلطات الاميركية فرضها على شخصيات لبنانية متعاونة مع “حزب الله”. وتركز النفي تحديدا على إسم الرئيس بري. وإذا كان لم يصدر حتى الآن ما يبدد هذا النفي، وردت تقارير إعلامية قريبة من وزارة الخزانة الاميركية شددت على ان مبدأ معاقبة المتعاونين مع الحزب ما زال قائما.

وبالفعل، تلقّت “النهار” قبل ايام معلومات من مصادر ديبلوماسية مفادها ان واشنطن ألغت تأشيرة دخول الى اراضيها منحتها لمسؤول سابق وبرلماني حالي ينتمي الى احدى الطوائف الاسلامية. ولم تفصح هذه المصادر عن حيثيات القرار الاميركي بحق هذه الشخصية التي لم تكن معروفة بقربها الوثيق من “حزب الله”، لكنها في الوقت عينه غير مصنفة في عِداد الجهات البعيدة كثيرا عن الحزب. وأحدثت هذه المعلومات مفاجأة في الوسط السياسي الداخلي نظرا الى ان الشخصية المستهدفة لم تظهر في يوم من الايام على انها متحمسة لمناصرة التنظيم اللبناني التابع لإيران. ولم يتأخر الوقت حتى وردت معلومات من لندن تفيد ان وزيرا سابقا متحالفا مع “التيار الوطني الحر” كان يعتزم السفر الى الولايات المتحدة الاميركية بجواز سفره البريطاني مع سائر أفراد أسرته، ففوجئ عندما كان يتوجه الى الطائرة في مطار هيثرو بانه ممنوع بقرار اميركي من التوجه الى أميركا، لكن قرار المنع لا يشمل أفراد أسرته. ووسط استغراب الوزير السابق الذي لم يسبق له ان واجه مثل هذا الاجراء من قبل، أجرى الاخير اتصالات وفّرت له لقاء على عجل في السفارة الاميركية في العاصمة البريطانية. وخلال اللقاء بين الوزير السابق وأحد الديبلوماسيين الاميركيين، تبين ان لدى الاخير سجلاً بزيارات قام بها المسؤول اللبناني السابق بينها زيارة لطهران قبل أعوام عدة خلال ممارسته مهماته الوزارية. وبعد اللقاء في السفارة الاميركية، غادر الوزير السابق المكان على ان يتلقى جوابا بشأن سفره الى أميركا. وبالفعل فقد تلقّى الجواب سريعا، في رسالة نصيّة تفيد ان تأشيرته للسفر الى الولايات المتحدة قد ألغيت.

يقول المعنيون بملف العلاقات اللبنانية – الاميركية لـ”النهار” ان ما ورد آنفا يمثل عيّنة من أنباء تتراكم حول النهج الجديد الذي تمارسه الخارجية الاميركية حيال لبنان، والذي أعلن عن خطوطه العريضة وزير الخارجية مايك بومبيو خلال زيارته الاخيرة لبيروت، علما ان اوساطاً سياسية تفيد ان أخطر مرحلة ستكون عندما تلجأ وزارة الخزانة الاميركية الى فرض عقوبات على الافراد والمؤسسات المتعاونة مع “حزب الله” تتخطى قرار إلغاء التأشيرات لتصل الى تجميد حسابات هؤلاء الافراد والمؤسسات، والتي تبلغ بحسب تقديرات مصرفية بضعة مليارات من الدولارات.

في تقدير اوساط شيعية معارضة لـ”حزب الله”، ان الاطلالات الاخيرة للامين العام السيد حسن نصرالله للرد على تصريحات الوزير بومبيو بحق الحزب، لم تكن الغاية من ورائها مساجلة المسؤول الاميركي، بل كانت غايتها استدراك تداعيات قد تصدر عن كبار المسؤولين، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس بري، تعلن عن وجود مسافة بين هؤلاء وبين الحزب. لكن مسعى نصرالله لم يحقق مراده بالكامل، وهذا ما تشير اليه زيارة الوفد المشترك لحركة “أمل” و”التيار الوطني الحر” للعاصمة الاميركية، إضافة الى سلسلة زيارات حصلت، ولا تزال، لواشطن.

هل يمكن اعتبار ردة فعل وزير الخارجية جبران باسيل الاخيرة حيال تسريب محاضر لقاءات مسؤولين لبنانيين جرت اخيرا مع مسؤولين اميركيين بعث بها السفير اللبناني في واشنطن الى الوزارة في بيروت ووصلت الى احدى الصحف المحلية، جزءا من الجهود لتأكيد التزام لبنان أصول العلاقات الديبلوماسية مع الولايات المتحدة؟

لا تستبعد اوساط نيابية ان يكون الحكم حاليا في مرحلة تشذيب قواعد السلوك مع العالم الخارجي عموما، ومع الولايات المتحدة خصوصا. وتملك هذه الاوساط معطيات تفيد ان رياح التشدد في واشنطن والتي تترجم الآن في الملف الايراني، تفيد ان زمن التساهل والتبرير في التعامل مع لبنان قد ولّى. وأعطت مثالا ما يقال عن دعم أميركي ثابت للبنان على المستويين المالي والعسكري، فقالت ان الادارة الاميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب لن تساعد اي جهة في لبنان إذا لم تقم الاخيرة بواجباتها.

لبنان الغارق حاليا في أزمة الموازنة، يمر بفترة اختبار مصيرية. وسيكون الحكم على المحك ليثبت جدارته في معالجة هذه الازمة. وفي هذا السياق، تأتي الانباء عن إلغاء تأشيرات دخول الى الولايات المتحدة. فهل تؤكد هذه الانباء أن فترة السماح لذوي النفوذ في هذا البلد قد انتهت؟