
روزانا بومنصف – النهار
هز رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط المياه الراكدة المتعلقة بالتسليم المعلن ان مزارع شبعا لبنانية واحتمال ابقائها ربط نزاعا قائما مع اسرائيل، على الرغم من ان تحولات كبيرة طرأت على الواقع السوري لم يبدل فيها حرفا واحدا من اسلوب مقاربته لموضوع ابقاء مزارع شبعا جرحا مفتوحا يتعذر على لبنان حله، خصوصا بعد تسليم الادارة الاميركية بالسيادة الاسرائيلية على الجولان المحتل والذي يشمل من ضمن القرار المتعلق به استمرار احتلال اسرائيل للمزارع ايضا. وما قاله جنبلاط واستنفر ردودا عليه وصلت الى حد التخوين انما اعتبر تصعيدا للتوتر الحاصل اخيرا بينه وبين الحزب كونه ينقض احد مبررات او ذرائع بقاء سلاح الحزب لوجود ارض لبنانية محتلة، لا بل يساهم في زيادة الضغوط عليه في حمأة الضغوط الخارجية والعقوبات الاميركية. واذا اضيف الى ذلك الموقف الاخير الذي اعلنه الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر ودعوته الى انسحاب الفصائل العراقية المنتمية للحشد الشعبي وغيرها من سوريا ورجوعها فوراً و وبلا تأخير لأن وجودها يعني زج العراق في اتون الصراع الايراني الاميركي الاسرائيلي، “انما يضع الحزب في موقع حرج اذا ما تمت مقارنته بالموقف الذي يعلنه الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله من انخراط في مختلف الساحات والاستمرار في سوريا، ما يؤدي الى التمييز بين موقف للصدر لحماية العراق وموقف او مقاربة مختلفة للسيد نصرالله لحماية لبنان”، كما يقول.
وفي الحال فان اعادة موضوع ملكية مزارع شبعا هو آخر ما يتمناه الحزب الذي سيحرجه الموضوع خصوصا ازاء عدم حصوله من النظام السوري على ما يدعم مطالبته بمزارع شبعا، رغم مساهمته في انقاذ نظامه وتأمين بقائه في السلطة، وفي وقت يحصن النظام نفسه بصفقات مع اسرائيل في تسليم رفات جنود اسرائيليين. كما ان هذا الامر فتح ابواباً مغلقة في ظل واقع التسليم السياسي بأن مزارع شبعا لبنانية في الوقت الذي يتم ترسيم المنطقة فلا يسعى لبنان الى تحصين اوراقه مثلا يتم الدفع بالحصول على الوثائق اللازمة التي تثبت ذلك فيما امتنع النظام السوري في كل المرحلة السابقة عن تأييد الموقف اللبناني وتدعيمه بما يلزم. ويستعيد ديبلوماسيون في هذا الاطار، ان لبنان تلقى صفعة لا تلبي مطالبته في وجه اسرائيل بعد خمسة ايام على الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب في العام 2000. اذ كان على مجلس الأمن الدولي ان يحدد موقفه من بقاء مزارع شبعا في النطاق السوري ضمن رقعة عمليات القوات الدولية لفض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل “اندوف” وذلك عندما كان في اطار ان يمدد، بموافقة سوريا وإسرائيل، ولاية القوة الدولية العاملة في الجولان المسماة “أندوف” ستة أشهر جديدة. كان منتظراً في ضوء اعلان لبنان على اثر اعتباره ان الانسحاب الاسرائيلي لم يكتمل، ولقي ذلك دعما آنذاك من وزير الخارجية السوري فاروق الشرع، ان تبادر سوريا الى تقديم الوثائق اللازمة لتدعيم الموقف اللبناني، علما ان العارفين ببواطن الامور يقولون ان النظام السوري دعم لبنان في مطالبته كلامياً نتيجة استيائه الكبير من الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب والذي كانت توظفه دمشق كورقة تفاوض مع اسرائيل. ولذلك في الوقت الذي تم توقع ان تتقدم سوريا بطلب مفاجئ إلى الأمم المتحدة لاجراء تعديل على ولاية “أندوف” ونطاق عملياتها لاستثناء مزارع شبعا منها، الأمر الذي يتطلب اتفاقاً سورياً – إسرائيلياً جديداً ويعلق اتفاق فض الاشتباك لعام 1974، فان سوريا لم تتقدم بأي طلب، ما ادى الى تمديد مجلس الأمن ولاية القوة الدولية بصلاحياتها الراهنة في 30 ايار 2000 اي قبل موعد انتهاء الولاية الحالية في 31 منه. الجميع يدرك ذلك ولم يكن الامر مخفياً، ولكن منطق القوة فرض التسليم بهذا الواقع من دون تثبيته. ويتخذ تمديد ولاية “أندوف” بعداً مهماً بسبب موقف الأمانة العامة للامم المتحدة من تنفيذ القرارين 425 و426 وخط الانسحاب الإسرائيلي العملي في مناطق شبعا، إذ أنها حددت هذا الخط ما بين منطقتي عمليات قوات “أندوف” والقوات الدولية الموقتة في جنوب لبنان “يونيفيل”، وهو يستثني شبعا من مستلزمات تنفيذ القرارين لوقوعها في منطقة عمليات “اندوف” في الأراضي السورية المحتلة.
كما حرصت الأمانة العامة للامم المتحدة على تأكيد ان ترسيم الحدود في منطقة شبعا عائد إلى الحكومتين السورية واللبنانية، وان الخط العملي المحدد للانسحاب الإسرائيلي في إطار تنفيذ القرارين 425 و426 لا يشكل حكماً مسبقاً على الحدود الدولية التي تُرسم باتفاق دولي بين الدولتين في الوقت الذي لا توجد حدود دولية مرسّمة بين لبنان وسوريا وترفض هذه الاخيرة ترسيم الحدود مع جارها الاصغر.
موقف جنبلاط ليس جديداً وليس الوحيد الذي تحدث فيه، اذ في العام 2005 اورد العماد ميشال عون في كتابه البرتقالي الذي كان برنامجه الانتخابي ان مزارع شبعا “ذريعة” وهي ذريعة بالبرهان المقنع لمشروعية العمل المسلح. اذ قال “ان هذه الذريعة لم تنجح باخفاء النيات السورية الكامنة خلفها وهي غير مقبولة من الامم المتحدة على حد ما قاله موفد الامين العام للامم المتحدة لدى زيارته دمشق في آذار 2005. فاراضي شبعا هي سورية من وجهة نظر القانون الدولي واذا ما ارادت سوريا التنازل عنها فعليها ابلاغ الحكومة اللبنانية رسميا بذلك لكي تبادر هذه الاخيرة الى اعادة ترسيم الحدود لدى الامم المتحدة”.
يملك كل من الافرقاء السياسيين اوراقاً يمكن ان يوظفوها للدفاع عن “وجودهم” فيما من المستبعد ان يؤدي فتح جنبلاط ملف ضرورة حصول لبنان على وثائق تثبت ملكيته لمزارع شبعا الى ان يتابع لبنان هذا الموضوع مع النظام السوري.