الإجراءات الموجعة: من يملك جرأة القرار؟

سابين عويس – النهار

تتسارع وتيرة التحذيرات والتوقعات بالانهيار، وتتسع رقعتها، بحيث لم تعد تقتصر على أوساط خاصة في الاعلام او عالم المال والاقتصاد، بل دخل اليها اصحاب السلطة، من الباب العريض، بعدما كانت تشكل في مرحلة سابقة تهديدا لهم ولمواقعهم.




هل هي استفاقة متأخرة على المسؤولية او استدراك لحجم المخاطر التي بلغتها البلاد، والتي غابت عن سلم الاولويات وسط انشغالات سابقة بتقاسم حصص وزارية واحجام واوزان تمثيلية حتى ولدت حكومة هجينة بتركيبتها وبقدرتها على تحمل اعباء المسؤولية المترتبة بعد شهور من التعطيل والمناكفات؟

للتساؤلات ما يبررها في ظل مرور أكثر من شهرين على تأليف الحكومة، وفي ظل قرب انقضاء مهلة السماح البالغة مئة يوم لها، ولم يبق منها الا اسبوعان، لم تنجز خلالها الا خطة الكهرباء، فيما مشروع قانون الموازنة لا يزال يخضع للمسات التعديل على ارقام موازنات الوزارات تنفيذا لقرار خفض الإنفاق سبيلا الى خفض نسبة العجز المالي.

على أهمية تلك التساؤلات، يبقى السؤال الاهم المتصل بمن يملك جرأة اتخاذ القرارات الموجعة التي تتسارع وتيرة التهويل بها، علما أن المشكلة تكمن هنا في غياب التفاهم السياسي على سلة الإجراءات المطلوب السير بها.

فكل الكلام المعلن يدور حول ضرورة اتخاذ اجراءات صعبة وموجعة، قد تمتد لسنة او سنتين، على ما يكرر رئيس الحكومة سعد الحريري، ما يعني ان الاجراءات المشار اليها ستكون ذات طبيعة موقتة او ظرفية، ترمي الى تجميد الانفاق في المكامن القابلة لذلك، علما ان التباين حتى الآن الذي يعوق ادراج مشروع الموازنة على طاولة مجلس الوزراء يتصل بنقطتين اساسيتين:

– اجراء خفوضات على الرواتب والاجور في بعض الاسلاك الرسمية وعلى معاشات التقاعد.

– اجراء خفوضات على موازنات الوزارات.

وما التهويل بالانهيار الا وسيلة ضغط من اجل السير بتلك الاجراءات، علما انها غير كافية لسد العجوزات ولجم الانهيار.

من الضروري التذكير بما سبق لوزير المال ان اعلنه وقوبل بردود فعل قاسية عندما اعلن ان حساب الخزينة لدى مصرف لبنان “فاضي”. وهذا الكلام يعود تاريخه الى ما قبل نهاية العام، عندما تردد ان الرواتب مؤمنة لشهرين فقط!

وقد تم التعويل في حينها على الهندسات المالية للمصرف المركزي لتأمين دفع الرواتب من خلال اكتتابات جديدة للمصارف رفعت بنية الفوائد بشكل كبير.

بالامس، وقف رئيس الحكومة في المجلس النيابي محذرا: “اذا لم نتدارك الوضع، فلسنا بعيدين عما حصل في اليونان”. أوساطه شرحت ما عناه لـ”النهار”، انه اذا لم تتخذ الاجراءات اللازمة فمن شأن ذلك ان يجعلنا نواجه سيناريو اليونان”.

صحيح ان رئيس الحكومة هدف بكلامه الى حض شركائه في السلطة الى اتخاذ القرار والمضي نحو التنفيذ، الا ان هذا الكلام اثار خشية وقلقا في الاوساط الاقتصادية، لأنه ربط المصير الاسود باجراءات لا تبدو البلاد مقبلة عليها بشكل سليم ومبرمج بحيث لا تؤدي تداعياتها الى ردود فعل لا تحمد عقباها. فقرار اقرار خطة الكهرباء استنفد شهرين، من دون ان يتزامن النقاش فيه مع نقاش مماثل حول الموازنة او الاجراءات المطلوب ادراجها فيها، ما يعني ان البلاد امام مرحلة جديدة من المماطلة في الوصول الى القرارات المطلوبة.

اوساط سياسية مراقبة توقفت بأسف امام الاسلوب المتبع في المعالجة، مشيرة الى ان القرارات اتخذت واشبعت بنودها بحثا في كواليس القرار الضيقة. والمرحلة الآن هي مرحلة التسويق لها من اجل تحضير الشارع لتقبل تداعياتها وتحمل كلفتها.