هل يفتح الحكم في اغتيال الحريري الباب للمصالحة والعفو أم لفتنة؟

اميل خوري – النهار

مع اقتراب موعد صدور حكم المحكمة الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، فإن أسئلة تُطرح حول ردود الفعل وكيف سيتم تنفيذه خصوصاً اذا أكد الحكم علاقة عناصر من “حزب الله” بهذه الجريمة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وهو ممثل في الحكومة، وكان الحزب قد حذَّر من اللعب بالنار ووصف من اتُّهموا بالجريمة بأنهم قدّيسون… هل يتأجل صدور الحكم الى الوقت المناسب، أم أن صدوره لن يفتح أبواب الفتنة بل أبواب العفو والمصالحة الشاملة التي تكون أساساً لإقامة الدولة القوية التي لا سلاح غير سلاحها، الدولة السيدة الحرة المستقلة فعلاً لا قولاً، ويكون دم الرئيس الشهيد ورفاقه قد أقام هذه الدولة بعدما كان أخرج القوات السورية من كل لبنان وأنهى الوصاية السورية عليه؟




لقد كرّر الرئيس سعد الحريري القول إنه يريد الحقيقة والعدالة ولا يريد ثأراً أو انتقاماً، مقدماً استقرار لبنان والسلم الأهلي فيه على أي أمر آخر لأن المهم، في نظره، هو البلد. فإذا كان والده الشهيد يقول “أن لا أحد أكبر من بلده”، فهو قد رفع لبناء المستقبل شعار: “لبنان أولاً”، وقد عمل بموجب هذا الشعار واعتمد سياسة “ربط النزاع” في تعامله مع “حزب الله” سواء داخل الحكومة أو خارجها، ويردّ على مّن لم تعجبه هذه السياسة بالقول: “هل تريدون خراب البلد؟ فأنا أريد المحافظة على الاستقرار فيه وعلى الوحدة الوطنية والسلم الأهلي” وإن على حساب شعبيته. فهل يبادله “حزب الله” بالمثل ويرضخ لحكم المحكمة الدولية ويكون ثمن عدم تنفيذه عفو عام ومصالحة شاملة لاقامة الدولة القوية التي لا سلاح غير سلاحها، ولا يحق لأحد اللعب به؟

لذلك فإن السؤال المطروح هو: ماذا بعد صدور حكم المحكمة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وكيف سيتم التعامل معه بعد معرفة الحقيقة طريقاً الى العدالة؟ هل يكتفي نجله الرئيس سعد بذلك ويعتبر أن حقه وصل اليه وكل ما عداه لا ينفع بل قد يخرب البلد؟ وأي موقف سيكون لـ”حزب الله” إذا أكد الحكم أن لبعض عناصره علاقة بالجريمة سواء كان مباشرة أو غير مباشرة؟ هل يكرر الحزب قولاً سابقاً له: “لا تلعبوا بالنار” أم يرضخ لحكم العدالة ولا يلعب بناره؟

لقد طُرحت في الماضي معادلة “السين – سين” (سوريا – السعودية)، ولأن كل طرف كانت له شروطه وأولوياته فقد فشل تنفيذها. ومن هذه الشروط أن تُسحب الدعوى من المحكمة الدولية ليصبح كل شيء مطروحاً للبحث ويكون أساساً للمصالحة. وكان من المقرر عند ذاك عقد لقاء مصالحة في الرياض. فهل بات الآن في الأمكان بعد صدور الحكم العودة الى تلك المعادلة والعمل على انجاحها، لأن ما قبل صدور الحكم شيء وبعد صدوره شيء آخر. فالعفو والمصالحة يتمان بعد صدور الحكم وليس قبله، ولأن صاحب الحق هو الذي يقرر ما يريد بعد الحصول عليه وليس قبل ذلك. فهل يكون الرئيس الحريري مستعداً للمصالحة والعفو عن مرتكبي جريمة اغتيال والده في المقابل اقامة الدولة اللبنانية القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها، ولا تكون دولة سواها ولا سلاح غير سلاحها، فيكون الفضل لدم الشهيد الحريري في اقامة هذه الدولة كما كان لدمه الفضل في اخراج القوات السورية من كل الاراضي اللبنانية وانهاء الوصاية السورية التي دامت 30 عاماً؟ وهل يوافق “حزب الله” على أن يكون ثمن العفو والمصالحة قيام هذه الدولة التي تعذَّرت اقامتها منذ العام 2005 لأن الحزب ظل مصراً على الاحتفاظ بسلاحه لأن له في نظره وظيفة لم تنته بعد… فهل بات يقبل انهاءها الآن من أجل اقامة هذه الدولة كي يكون للنهوض بلبنان في شتى المجالات جدوى ومنفعة عامة؟

ثمة من يعتقد أن توقيت صدور حكم المحكمة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري تحدده معطيات وحسابات، بحيث يكون صدوره لمصلحة لبنان وقيام الدولة فيه ودوام الاستقرار، كما يكون صدوره في الوقت المناسب والظرف المناسب.