المانحون في الانتظار: لا شيكات على بياض

سابين عويس – النهار

ليست المرة الاولى يوجّه البنك الدولي تحذيرات قاسية الى السلطات اللبنانية نتيجة تلكئها عن الوفاء بالتزاماتها ضمن المهل الزمنية. هكذا يفعل كلما استدعت الضرورة الضغط على الحكومة او على البرلمان من اجل عدم فقدان القروض الميسرة المهددة بالسقوط بفعل انقضاء المهل.




في أقل من ثلاثة أشهر، زيارتان لنائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا فريد بلحاج لبيروت. وفي الزيارتين رسالة واضحة الى المسؤولين اللبنانيين بضرورة مباشرة الإجراءات الإصلاحية من أجل الإفادة من الأموال المعقودة للبنان، وعدم خسارتها لمصلحة وجهات دولية أخرى.

قبل الزيارة الاخيرة لبلحاج، زيارة لمسؤول فرنسي لا تقل أهمية، لما حملتها من رسائل تحذير مماثلة. فقبل نحو شهر، وفي نهاية شباط الماضي تحديدا، زار لبنان السفير بيار دوكان، المكلف متابعة تنفيذ مقررات مؤتمر “سيدر”، وفي جعبته الكثير من الاسئلة عن أسباب تأخر إرساء الإصلاحات. وقد أرفق دوكان في حينها أسئلته باستياء من عدم جدية السلطات اللبنانية في التعامل مع الأزمة التي تتهدد بلادهم.

بعد شهر، تكررت الرسالة على لسان مسؤول البنك الدولي، والذي للملاحظة، يشكل الى جانب دوكان الجانبين المعنيين او المهتمين بتنفيذ مقررات المؤتمر الدولي. وللتذكير، فإن حجم مساهمة البنك الدولي تبلغ ملياري دولار.

العقد واضح بين لبنان والمجتمع الدولي، وعلى لبنان أن يحترم توقيعه. اللجنة المكلفة متابعة التنفيذ والتي تضم ممثلين للمانحين، تم تأليفها، لكنها لم تجتمع بعد. كل المطلوب أن يطلق لبنان رزمة الإصلاحات التي التزمها في الورقة المقدمة الى المؤتمر، والتي على أساسها قدمت الدول والمؤسسات المانحة دعمها. وبحسب مصادر التقت الموفد الدولي، فإن شرط المانحين واضح: لا شيكات على بياض، ولن يتم صرف أي مال قبل أن يباشر لبنان إصلاحاته.

في ترتيب بلحاج كما دوكان، الكهرباء والموازنة في سلم الاولويات. والرجلان ملمّان بكل التفاصيل المتصلة بهذين الملفين. وعليه، يدركان حجم الخلافات والحسابات التي تتحكم في مواقف القوى السياسية منهما. وهو ما يفسر الجرجرة التي يتعرض لها الملفان.

فما بين زيارة الاول وزيارة الثاني، انقضى شهر ولم تخط الحكومة أي خطوة الى الامام، بل لا يزال النقاش عالقا حيث كان: في مسألة الكهرباء يكمن الخلاف حول خيار البواخر المقترح ضمن الحلول الموقتة، فيما برزت مشكلة جديدة تتصل بالاستملاكات المطلوبة للأراضي في منطقة سلعاتا حيث بدأت التقديرات بـ٤٠٠ مليون دولار، لتنخفض الى ٢٠٠ مليون. وعلم أنه يجري التفاوض الآن على خفض وصل الى ٣٠ مليون دولار مقابل بناء جزء من المعمل وليس كلّه.

أما في موضوع الموازنة، فرغم التزام وزير المال علي حسن خليل تقديم المشروع ضمن المهل الدستورية، أي منذ آب الماضي، فقد اضطر الى تجميدها من أجل إعادة مراجعة أرقامها لتتناسب مع الإصلاحات الاخيرة التي التزمها لبنان في مؤتمر “سيدر”، وقد خفض النفقات بنسبة ٧،٥ في المئة كما علم. ولكن لم يُفهم لأي سبب لم تلتزم الوزارة تقديم المشروع مخفضا أساسا، على نحو كان أكسب الحكومة وقتا للبدء بمناقشتها.

وترى مصادر وزارية أن تأخر الدعوة الى جلسات حكومية لمناقشة المشروع يعود الى الخلافات القائمة بين مختلف المكونات السياسية على حجم الخفض المقترح لموازنات الوزارات.

في أي حال، سيشكل الاسبوع الطالع تحديا مهما جداً للحكومة لمباشرة بعض الخطوات الاجرائية في مجالي الكهرباء والموازنة، وإلّا فإن الايام المقبلة ستحفل بمزيد من الضغوط تتجاوز قدرة الحكومة على مواجهتها.