الفضيحة اللبنانية: ثروات بحرية وأراضٍ سائبة والخلاف يطيح ترسيم الحدود واستعادة السيادة

ابراهيم حيدر – النهار

يستطيع وزير الخارجية جبران باسيل أن يغرد مبتهجاً بقدرة لبنان على تسويق اقتراحه للعرب وتبنّيهم الفقرة المتعلقة باعتبار القرار الأميركي حول الجولان باطلاً، وتأكيد لبنانية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من قرية الغجر وحق لبنان باسترجاعها. يستطيع الاعلان عن ذلك من دون أن يتحرك لبنان بخطوات ملموسة لإثبات لبنانية المزارع واستعادة تلال كفرشوبا وشمال الغجر، وهما المنطقتان المثبتة لبنانيتهما لدى الأمم المتحدة، وفق سياسي لبناني خبير ومتابع لخط الحدود مع فلسطين المحتلة، والذي يقول إن على لبنان التحرك سريعاً لأن ذلك يتصل بترسيم الحدود البرية والبحرية أيضاً، خصوصاً في ضوء تنازع القوى السياسية في البلد على هذا الملف الشائك والخطير على المستقبل اللبناني.




وبينما يسعى لبنان إلى ترسيم الحدود البحرية للاستفادة من ثروات الغاز والنفط، وترسيم الحدود البرية، حيث تظهر وجهتا نظر مختلفتان، خصوصاً بين رئيس الجمهورية ميشال عون وباسيل من جهة ويؤيدهما رئيس الحكومة سعد الحريري، وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري مدعوماً من “حزب الله” من جهة أخرى، إذ إن وجهة النظر الأولى تقترح الفصل والاستفادة من ترسيم الحدود البحرية، في حين ان الثانية التي يحملها بري تريد دمج الترسيم للحدود البحرية والبرية، جاء الاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل ليخلط الأوراق.

وعلى رغم الرفض الدولي للقرار الاميركي واعتباره غير قانوني، إلا أن الخطر يكمن في انقسام الموقف اللبناني. المشكلة أن لبنان عندما يطالب بحقوقه وسيادته على أراضيه، لا يميز بين منطقة وأخرى، وفق السياسي الخبير. فقرية الغجر المحتلة مثلاً تتداخل بالأراضي اللبنانية، وقد رفض لبنان عام 2009 اقتراحاً يقضي بوضع الشق اللبناني المحتل من القرية في عهدة القوات الدولية (اليونيفيل) بعد انسحاب اسرائيل منها، مصراً على وضعها تحت السيادة اللبنانية من خلال انتشار الجيش اللبناني فيها، ودعّم لبنان موقفه بوثائق ترسيم “الخط الأزرق” ما بين لبنان واسرائيل والتي تشير الى ان قسماً من قرية الغجر لبناني وينبغي استرداده. فحين احتلت اسرائيل المنطقة الحدودية من لبنان عام 1978، توسعت الغجر شمالا داخل الأراضي اللبنانية، ومنحت اسرائيل سكانها الجنسية الاسرائيلية عام 1981، بعدما قرر الكنيست الاسرائيلي ضم الجولان الى دولة اسرائيل.

وبعدما انسحبت اسرائيل من الجنوب في 2000، شمل “الخط الأزرق” الجزء الشمالي من الغجر، فأخلته إسرائيل من دون ان يدخله الجيش اللبناني الذي لم يكن قد انتشر بعد في الجنوب، ولذلك فإن الانسحاب الاسرائيلي من شمال الغجر، لا يرتبط فقط بالقرار 1701، انما يتعلق بالقرار 425 أيضاً، والانسحاب يعيد الوضع الى ما كان عليه قبل عام 2006، وهي المنطقة الوحيدة التي لم ينسحب منها بعد عدوان تموز.

واذا كان القرار الدولي الرقم 425 عام 1978 لحظ حدود الخط الممتد من الناقورة وصولاً الى تلال كفرشوبا في العرقوب بمساحة تقارب الألف كيلومتر مربع، فإنه لم يلحظ منطقة المزارع. وبينما يبقى ملف الحدود مفتوحاً، فهناك أراض لبنانية لا تزال وراءه، وبينها أراضٍ في قاطع كفرشوبا. ووفق السياسي الخبير، يحق للبنان تأكيد لبنانية مزارع شبعا التي لها وضع خاص منذ عام 1967، ما يفرض على لبنان اعادة النظر بطريقة تعامله معها نحو تصويب الخلل القانوني المرتبط بملفها.

وقد احتُلت مزارع شبعا عام 1967، بدءاً بمزرعة “المغر” التي تتداخل بين الحدود اللبنانية والفلسطينية والسورية، والتي تفصل منطقة المزارع عن وادي العسل السوري، وهي المزرعة الأولى التي احتلت في 10 حزيران 1967، ثم استولت اسرائيل في 15 حزيران على مزارع “خلة غزالة” و”ظهر البيادر” و”رويسة القرن” و”جورة العقارب” و”فشكول” وهجّرت معظم سكانها. وفي 20 حزيران 1967، استكملت اسرائيل اجتياحها لمزارع “قفوه” و”زبدين” و”بيت البراق” و”الربعة” و”برختا التحتا” و”برختا الفوقا” و”كفردورة” و”مراح الملالي”. وفي آب من العام نفسه احتلت مزرعة “رمثا” وهجّرت كل سكان المزارع وفجّرت منازلهم. واكتمل احتلال المزارع عام 1972 باجتياح مزرعة بسطرة، فضمت مساحاتها المتبقية وسيّجت المنطقة بأسلاك شائكة ومكهربة. ولذا أدرجت كل هذه المزارع ضمن اتفاقية الفصل السورية – الاسرائيلية عام 1974.

ولا تزال اسرائيل تحتل مناطق في كفرشوبا تُدرج تحت القرار 425، بعد اثبات لبنانيتها، خصوصاً جبل الروس الذي يعرف بـ”رويسة العلم”، و”رويسة السماقة” و”مشهد الطير” وخراجات أخرى تمتد من كفرشوبا في اتجاه القنيطرة السورية. ويملك لبنان خرائط مفصلة لهذه الأراضي التي وردت في خرائط الحدود للعام 1943، باستثناء مزارع شبعا.

في المقابل، لا يزال الخلاف اللبناني قائماً حول ترسيم الحدود، ووفق السياسي اللبناني أن وزير الخارجية الأميركي في زيارته الأخيرة للبنان أعاد تكرار الاقتراح على التفاوض مع اسرائيل في رعاية أميركية حول المنطقة البحرية المتنازع عليها ومساحتها 860 كيلومتراً مربعاً، مستعيداً ما طرحه السفير الأميركي فريديريك هوف عام 2012 لترسيم الحدود البحرية اللبنانية – الفلسطينية، حيث يحصل لبنان على 500 كيلومتر مربّع، فيما تذهب لإسرائيل الـ360 كيلومتراً مربعاً، وقد رفض لبنان هذا الطرح وأصر على تثبيت حقه في ترسيم الحدود البحرية عبر مفاوضات غير مباشرة تتولاها الأمم المتحدة، وفي حضور وسيط أميركي. لكن التباين في الموقف الرسمي اللبناني من قضية الترسيم، ظهر أخيراً الى العلن، إضافة إلى التعامل مع ملف الحدود البرية والبحرية. وبين اصرار كل طرف على وجهة نظره، بين ترسيم كامل بري وبحري، وبين الفصل الذي يحمله الوزير باسيل، لن يتمكن لبنان المنقسم من الاستفادة من ثروات الغاز، ولا يمكنه استعادة الأراضي البرية المتنازع عليها مع اسرائيل، علماً أن الرئيس نبيه بري يصر على أن يبدأ الترسيم من البحر مع الـ860 كيلومتراً مربّعاً وصولاً الى البر، وفي رعاية أممية. فمتى يتقدم لبنان لاستعادة ثرواته البحرية، وهل يشمل البر تلال كفرشوبا وشمال الغجر ومزارع شبعا؟