السنيورة ”حصان المستقبل”… الحريري ”الموّحد” وريفي ”العائد”

محمد نمر – النهار

نجح الرئيس فؤاد السنيورة، بمتلازمته “وحدة الصف وحماية موقع رئاسة الحكومة” في أن يجمع ما كان مستحيلاً جمعه في الفترات الماضية. وعلى قاعدة “الدم ما بصير ميّ” التقى الرئيس سعد الحريري باللواء أشرف ريفي في منزل السنيورة في حضور الوزير الطرابلسي السابق رشيد درباس. ولرمزية المكان رسالتين وفق مراقب للعلاقة بين الطرفين:




الأولى: كان بمقدور الحريري أن يتمسك بموقع “بيت الوسط”، لكنه أراد نقل رسالة سياسية واضحة، ولو استفاد منها ريفي بأنه التقى الحريري في موقع “محايد”، تتجاوز أهميتها كل البيانات الداعمة للسنيورة، فبعد الحملة التي طالت الأخير في قضية الـ 11 مليار دولار، وبعد الحديث عن قرار ابعاده من الحريري وعدم ترشيحه في صيدا، قدم الحريري بياناً فعلي بالحضور إلى منزل السنيورة، على قاعدة “أفعال لا أقوال” وزمن البيانات والسجالات انتهى وأن الرد سيكون بالأفعال.

الثانية: في معرض رده على سؤال الزميلة في تلفزيون المستقبل، وعن الرسالة التي يوجهها للبنانيين، تذكر الحريري الاشارة إلى المصالحة بين “الأقطاب المسيحيين وفي الجبل مع وليد بك جنبلاط”، وكأنه يشير إلى دور بكركي في رعاية المصالحات. وبما قام به السنيورة وفي منزله يكون أشبه بـ “بطريرك السنة” في توحيد الصف.

لم يكن الهدف الخروج بصورة تنعكس ارتياحاً في الشارع السني خصوصا الطرابلسي فحسب، بل هو “لقاء استراتيجي وتكتيكي للطرفين”، وأشبه بعملية انصهار حديد جديدة كانت واضحة في موقف الحريري: “رص الصفوف” وريفي: ترتيب البيت الداخلي لمواجهة الأخطار”. صحيح أنها تزامنت مع اقتراب معركة انتخابية فرعية في طرابلس، لكن الطرفان ووفق المراقب نفسه: “كانت لديهما النوايا بانهاء الخلاف بعد معركة الانتخابات النيابية في أيار الماضي”، وبعد جهود بذلها السنيورة ودرباس وصل الطرفان إلى نتيجة واحدة: “اننا مستهدفان”.

ليس غريباً على الحريري أن يفتح صفحة جديدة مع من اختلف معه بالسياسة، لا بل أكثر من ذلك، فهو يتعالى على الجراح ويستخدم سياسة اليد الممدودة مع “حزب الله” (افراد منه متهمون باغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري)، وأيضاً بعد معركة انتخابية شرسة في طرابلس نجح في ابرام تفاهم متماسك مع الرئيس نجيب ميقاتي، فلماذا إذا الافتراق عن ابن البيت اشرف ريفي؟

استراتيجياً، ووفق المراقب نفسه “لا يختلف الاثنان على الثوابت، فهما ليسا ضمن المحور الإيراني السوري ويتمسكان بسيادة الدولة، وقد كان من الطبيعي رص الصفوف من جهة الحريري، وفي المقابل لا خيار لريفي سوى منطق الدولة، والذي كان واضحاً في مواقفه التي تنسجم مع موقع رئاسة الحكومة، ووحدة الصف، كما كان واضحاً حجم العتب في بيئته بعد زيارته النائب فيصل كرامي، ولو كانت مبررة برد زيارة سابقة، ولأن من الإستحالة أن يتواجد ريفي في موقع يستفيد منه “حزب الله”، التقى مع الحريري استراتيجياً لطي صفحة الماضي على قاعدة مساندة بعضهما البعض”.

أما في التكتيك، فقد استخدم الطرفان سياسة “في الاتحاد قوة”، خصوصاً بعدما أدركاً أنهما مستهدفان في طرابلس، ويوضح المراقب: “إذا جمعنا كل أصوات فريق 8 آذار ومرشحهم طه ناجي مقابل أصوات “المستقبل” وفي ظل عدم خوض المعركة من الوزير السابق الصفدي والرئيس ميقاتي بناء على تفاهمات مع الرئيس الحريري، سنستنتج أن أمالهم شبه معدومة بالفوز، خصوصاً أنها معركة وفق القانون الأكثري. لهذا أراد هذا الفريق أن يحول اللواء ريفي إلى أداة لسحب الأصوات من المرشحة ديما جمالي، مع يقينهم بأن ريفي لن يفوز، جراء التفاهمات الحاصلة، وبالتالي دفع ريفي إلى الترشيح يحقق لهم غايتين: إما الفوز بالمقعد وهذا يكون بدعم مالي إيراني كبير غير متوقع وإما حصولهم على عدد أصوات قريب لجمالي، للقول: نحن القوة الثانية في طرابلس وأن حجم النائب كرامي يساوي الرئيس الحريري”. أدرك ريفي اللعبة سريعاً بانه مستهدف أيضاً كما الحريري ورفض أن يكون أداة للآخرين، فاجتمع الطرفان ونجحا في احباط المشروع الآخر.

تُعتبر طرابلس الرابح الأكبر من المصالحة بعدما اتفق الطرفان على التعاون في انماء المدينة. وهما قدما صورة جامعة للطرابلسيين كانوا ينتظرونها منذ زمن، ونجح الحريري بالتفاهم مع ريفي بسحب ترشيح الأخير واعدام ترشيح طه ناجي الذي بات يعبّر عن تردده في الترشح في تصريحاته الأخيرة، وباتت النتيجة، شبه محسومة لمصلحة جمالي. نقل الحريري رسائله السياسية بوحدة الصف مع ريفي وبأن السنيورة “خط أحمر”، وأظهر حرصه على التواصل مع الجميع ورغبته في انهاء الخلافات حماية للبنان، وكسب قائداً في طرابلس، في المقابل عاد ريفي إلى موقعه الطبيعي، إذ كان قبل الخلاف “الراس الحربي وقائد المعارك للحريرية السياسية في طرابلس”، ووفق المراقب “إن الأيام ستثبت عودته إلى القيادة ومتانة العلاقة مع الحريري”.

وتؤكد مصادر مقربة من ريفي لـ”النهار” أن “لا خلاف على الأهداف مع الحريري بل هناك تباين في بعض المحطات، واليوم المرحلة دقيقة وتستلزم اقصى درجات التضامن سواء حول الدستور أو الطائف او العيش المشترك، وهناك استهداف للطائفة السنية والصاق تهمة الفساد بها بعد تهمة الارهاب، وبالتالي هناك شراكة مع الحريري في الدفاع عن الدولة ومواجهة منطق الدويلة”، وتضيف: “توقعاتنا أن هذا التفاهم الكبير سيترجم بعمل انمائي في طرابلس، فيما يرى ريفي في اللقاء بعدا أكبر من مجرد مقعد نيابي وأن هناك ضرورة للاتفاق لمواجهة الأخطار، وفي مؤتمره الصحافي سيحدد بوصلة المرحلة المقبلة وخريطتها”.