الحزب وحملة الفساد: نقاط الضعف

روزانا بومنصف – النهار

نجح ” حزب الله” على نحو مبكر في تلقف موضوع الفساد حتى إبان المفاوضات لتأليف الحكومة من اجل ان يظهر في موقع من يقود هذه الحملة بعد تأليفها، ولو من خلال توجيهها في اتجاه واحد، وإن تكن حملته لن تفضي الى شيء فعلي لان الملف المشار اليه من جانبه يمكن دحضه، انما وضع الطرف الاخر المتمثل في فريق رئيس الحكومة سعد الحريري في موقع الدفاع من جهة وفي موقع الشبهة السياسية من جهة اخرى، والتي يصعب ازالتها من اذهان اللبنانيين على قاعدة ان دفاع فريق رئيس الحكومة هو لعدم رغبته في محاربة الفساد الذي يقول انه احد شعارات حكومته. إلا أن اوساطا سياسية متعددة لا ترى مما يحصل سوى انه يندرج في الاطار السياسي فقط من ضمن الصراع الذي تم التعبير عنه ابان مفاوضات تأليف الحكومة في سعي الحزب ونجاحه في استهداف اختراق الطائفة السنية بهدف اضعاف رئيس الحكومة وحصرية تمثيله طائفته، وراهنا في اطار رسم علامات استفهام حول مسؤوليته ازاء المسار الاقتصادي، وليس في اطار حملة على الفساد فعلا، حتى لو تم اللجوء الى القضاء. ومن هنا ترى هذه الاوساط ان نقطة الضعف الاساسية ان الحزب لا يتناول الامس القريب، اي الاعوام القليلة الماضية، وهو حافل بملفات الفساد التي يملكها الجميع في حق الجميع، بل يعود أعواما عدة الى الوراء مستهدفا ولو من دون ان يسميه رئيس الحكومة فؤاد السنيوره الذي غدا خارج فريق الرئيس الحريري من جهة، والذي سبق ان استخدم حليفه “التيار الوطني الحر” ملفات في هذا السياق في فترة الخصومة الشديدة بينه وبين “تيار المستقبل” تحت عنوان “الابراء المستحيل”. وهو ما ردت عليه كتلة “المستقبل” برئاسة السنيورة بكتاب مقابل تحت عنوان “الافتراء في كتاب الابراء”. ولا يستطيع التيار العوني في ظل فتح هذا الملف تحديدا ان يلتزم جانب الحياد لو شاء راهنا، نظرا الى عدم رغبته ربما في استعادة فصول خصومة سياسية قد لا تساعد على ما يعتبره الرئيس عون انطلاقة عهده، خصوصا انه في اطار السعي الى تأمين انتخابه للرئاسة الاولى تجاوز تياره الاتهامات التي بقيت سياسية باعتبار انها لم تبلغ القضاء ولم تقدم اليه في اي وقت من الاوقات. وتاليا فان السؤال الذي برز على اثر مطالعات النائب حسن فضل الله اذا كان كل ملف الفساد محصورا او مختصرا بما جرى في فترة مقاطعة الثنائي الشيعي حكومة الرئيس السنيورة. ونقطة الضعف الاخرى ان الحزب وباختياره ملفا دون سائر الملفات فانما يضعف مسعاه كونه يندرج في اطار مذهبي وخصومة سياسية على قاعدة ان ما باتت تراه اوساط سياسية عدة هو مسعى مبكر لتحجيم الرئيس سعد الحريري تتم مواصلة الخطوات في شأنه من زيارة وزير الدولة لشؤون النازحين الى دمشق فور حصول الحكومة على ثقة المجلس النيابي من دون معرفة رئيس الحكومة ومن دون موافقة مجلس الوزراء والتي اتبعت بالطعن في نيابة النائبة ديما جمالي والذي وصفته كتلة “المستقبل” بـ”الغدر” الذي تعرض له الحريري وصولا الى الحملة على الفساد التي استهلها الحزب بتوجيه السهام بالمعنى السياسي الى فريق الحريري بالذات.




هل يحشر الحزب خصومه السياسيين بدلا من ان يحشروه؟ هذا ما يعتقده البعض، الى جانب حاجة الحزب الى معركة يبلور فيها دورا مختلفا في المرحلة المقبلة بعد تراجع نار المعارك او الحروب العسكرية في الجوار او في وجه اسرائيل. اذ ان الضغط الشديد التي تتعرض له الدولة اللبنانية في موضوع كل دولار في المصارف اللبنانية يعود الى الحزب او من يدور في فلكه، يفترض ان يؤدي بالدولة الى حشر الحزب وفق الاجراءات الاميركية الضاغطة في هذا الاتجاه وهو ما لا تستطيع الدولة فعله لانها تعجز عن ذلك في الوقت الذي يظهر انه يمتلك اوراقا ليفعل الكثير في المقابل على غرار التصويب السياسي في اتجاه فريق سياسي معين يملك الورقة الرابحة بالنسبة الى الخارج على قاعدة ان هذا الفريق هو من يؤمن عبر وجوده وصدقيته ازاء الدول الغربية تأمين دعم لبنان ومساعدته. وهناك من يعتقد بوجود صعوبات في حصول الوزارات التي حصل عليها الحزب على حجم المساعدات الخارجية التي تحصل عليها الوزارات الاخرى التي تلقت استعدادات ايجابية من دول عدة للمساعدة، ما يعني اعتماده كليا تقريبا على ما تقدمه الدولة اللبنانية. وكان آخر الضغوط اتجاه الحكومة البريطانية الى حظر الجناح السياسي للحزب وتصنيفه إرهابيا، حتى لو لم يكن قرارا منسقا مع الدول الاوروبية التي تبقي خط تواصل مع الحزب.

هذا كله يرسم علامات استفهام ازاء المدى الذي يمكن فيه اعتبار ما يجري صراعا سياسيا طبيعيا لا يطيح المفاعيل المتواضعة حتى الآن لتأليف الحكومة، باعتبار ان الثقة تحتاج الى حكومة تنطلق بمثابة فريق واحد على الاقل من اجل مواجهة التحديات الاقتصادية الخطيرة، حتى ولو كان الافرقاء اللبنانيون مطمئنين راهنا الى التزام الدول التي تعهدت المساعدة في مؤتمر “سيدر” تقديم ما تعهدت به. ويعود وجود علامات الاستفهام الى ان هناك من ينتظر فعلا إقلاع الحكومة وكيفية إقلاعها، لكي يحكم على مسارها، في حين أن ما حصل حتى الآن يعطي مؤشرات غير مريحة، خصوصا إذا كانت كل المسألة استهدافا سياسيا جديدا وتصفية حسابات، ولو تحت عناوين براقة مطلوبة محليا وخارجيا، كمكافحة الفساد.