لماذا يشعر السنيورة بأنه مستهدف؟ وهل فقد الحصانة السياسية بعد النيابية؟

سابين عويس – النهار

ليست المرة الاولى يُفتح ملف الحسابات المالية للدولة بين عامي 1993 و2006، كمادة دسمة لتقاذف المسؤوليات بين مختلف الأفرقاء السياسيين الراغبين في تسجيل انتصارات في موضوع حماية المال العام ومكافحة الفساد، كما هي حال الحكومة اليوم. لكنها المرة الاولى يدخل “حزب الله” شريكا خصما ومباشرا في هذا الملف الذي لطالما بقي فيه في الخطوط الخلفية، تاركا خوض المعركة لحلفائه.




قد يكون مبررا ان يفتح ملف الحسابات المالية من منطلق القرار أن يكون الهدف من ذلك معالجتها بموجب القانون، تمهيدا لإصدار قطع الحسابات المتصلة بالمرحلة المشكو منها، على نحو يتيح أقفالها نهائيا وفتح صفحة جديدة تعيد التوازن المالي.

منذ سأل الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله عن المليارات الأحد عشر الضائعة، واستتبع بالمؤتمر الصحافي لعضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب حسن فضل الله المكلف ملف الفساد، حتى بدا واضحا ان الحزب قرر الدخول بقوة في هذا الملف، يدفعه الى ذلك أكثر من عامل، على ما تقول مصادر سياسية مراقبة. احد هذه العوامل يتمثل برغبة الحزب في تأمين عودته الى الداخل اللبناني من باب إعطاء الاولوية للشأن الاقتصادي والمالي الذي غاب عنه بسبب أولوياته الإقليمية، وهو ما أدى الى بروز حال من التذمر في صفوف قواعده وجمهوره.

ثاني العوامل يتصل بحاجة الحزب الى إظهار عضلاته في الملفات الاقتصادية والمالية، منعا لأي تهميش أو استفراد من القوى الاخرى، بذريعة أن أولوية الحزب عسكرية وأمنية.

ثالث العوامل يعود الى الضيق المالي الذي برز أخيرا في صفوف الحزب وكوادره، الامر الذي يدفعه الى الدخول على خط الملفات الاقتصادية والمالية منعا لأي استئثار في المحاصصات.

لكن العامل الأكثر أهمية ربما بحسب المصادر يتصل بحاجة الحزب الى تحقيق إنجاز داخلي يؤكد جدوى مشاركته في الحياة السياسية عبر ممارسة دوره في السلطة الإجرائية او في التشريع والمراقبة والمساءلة. ويبرز ملف الـ١١ مليارا مادة دسمة وجديرة بتحقيق انتصار، نظرا الى ما تعرض له هذا الموضوع من تقاذف للاتهامات والمسؤوليات، صبت دائما في ملعب الرئيس فؤاد السنيورة. وهنا تطرح المصادر المراقبة جملة تساؤلات عن الاسباب التي تقف وراء اندفاع السنيورة الى الدفاع واعتبار نفسه معنيا بالموضوع. وتذهب أبعد، الى السؤال عن موقف “تيار المستقبل” ورئيسه تحديدا رئيس الحكومة سعد الحريري من هذه المسألة، وهل ثمة خشية على الرئيس الاسبق للحكومة من الوقوع ضحية، في ضوء خسارته الحصانة النيابية التي كان يتمتع بها، والمساحة البعيدة التي باتت تفصله عن الحريري بعدما كان احد ابرز صقور التيار “المستقبلي” و14 آذار في شكل عام؟

تستدرك المصادر بالقول إنه من المبكر تقييم الخلفية السياسية لتحريك الملف المالي وما إذا كانت فعلا تستهدف السنيورة، تمهيدا لإبعاد آخر الصقور “المستقبليين” من ساحة الحريري بعدما سقط الواحد تلو الاخر لأكثر من سبب، او ان المسار المالي الذي فُتح على خلفية إقفال هذا الملف، بلغ مرحلة لم يعد يمكن التغاضي عن بلوغها من القضاء او ديوان المحاسبة المعني بهذا الامر، ولا سيما أن وزير المال علي حسن خليل اعلن ان الحسابات أنجزت حتى العام 2017، وهو يستعد لإرسالها الى الديوان بالتوازي مع عزمه على وضع تقرير بكل المعطيات والارقام والملاحظات والوقائع في عهدة الرأي العام.

لكن ما هو أكيد بالنسبة الى هذه المصادر، أن السنيورة استعجل الرد وخطوته الاستباقية لن تغير في منحى الامور، وخصوصا أن المسألة ليست في الـ11 مليارا التي تحولت الى مادة اعلامية للتراشق، فيما معطياتها كلها متوافرة، بل في مكامن اخرى تتصل بالهبات والحساب الموقت وسلف الخزينة، ما يعني ان البلاد مقبلة على مرحلة من شد الحبال الذي لن يخلو من الخلفيات السياسية والمالية، ستعرّضها لاهتزازات ما لم يتم التعامل معها بالجدية والوعي والمسؤولية المطلوبة على كل المستويات. ذلك ان الاوضاع المالية في البلاد بلغت دركا خطيرا جدا ولم تعد تحتمل أي مناورات، بغض النظر عن اسبابها وخلفياتها.