أجرى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال يومه الثاني والأخير من زيارته المثيرة للجدل إلى لبنان لقاءات مع مسؤولي البلد وفي مقدمتهم الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء سعد الحريري، ووزير الخارجية جبران باسيل، مقدما حزمة من عروض الدعم الاقتصادية والعسكرية.
وبدا أن كل مسؤول لبناني تعامل مع هذه الزيارة وفق منظوره السياسي الخاص، وليس من منظور واحد يعكس موقفا موحدا للدولة اللبنانية، وهذا ليس بالغريب في ظل الانقسام بشأن إيران وسبل التعاطي معها.
ويلاحظ أن رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره وزير الخارجية جبران باسيل المسكونين بهاجس اللجوء، ركزا خلال لقائهما مع ظريف أو “الدبلوماسي الضاحك” كما يحلو للبعض تسميته، على موضوع تسريع عودة النازحين السوريين وإمكانية أن تلعب إيران دورا في هذا الملف.
ويدرك عون كما باسيل أنه من الصعب التعاون مع طهران في المجالات الحسّاسة كالدفاع رغم أن وزير الخارجية اللبناني أكد خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الإيراني “أنه من الطبيعي أن نفكر بكل مساعدة طالما أن لا شروط عليها وتقوي الدولة والمؤسسات”.
وترى دوائر سياسية أن تصريح باسيل ليس سوى موقف دبلوماسي، فهو يدرك أن التعاون العسكري مع إيران له محاذير كثيرة ولن تهضمه خاصة الدول الداعمة للمؤسستين العسكرية والأمنية اللبنانيتين وعلى رأسها الولايات المتحدة، بيد أن وزير الخارجية يرى أنه بالإمكان التعاون مع إيران في عدد من الملفات الأخرى التي لا تقل أهمية والتي لن تكون عليها احترازات كبيرة خاصة في مسألة عودة اللاجئين.
ويقود عون وصهره باسيل منذ سنوات جهود إعادة أكثر من مليون نازح سوري إلى بلادهم، وتصادم الطرفان في أكثر من مناسبة مع المجتمع الدولي الذي بدا حذرا حيال هذه العودة بالنظر إلى عدم تحقق الاستقرار في سوريا، رغم استعادة نظام الرئيس بشار الأسد السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد.
وأسفرت تلك الجهود عن عودة المئات من النازحين خلال الأشهر الماضية عبر التنسيق بين أجهزة الأمن السورية واللبنانية، ولكن ليس بالوتيرة التي يرغب فيها عون أو باسيل، لأن دمشق لا تبدو متحمسة جدا لهذه العودة، وهي تتخذ من هذا الملف إحدى الأوراق لمقايضة لبنان بشأن تطبيع كامل وشامل للعلاقات معها.
ويأمل عون كما باسيل في أن تساعد طهران في التأثير على حليفها النظام السوري لإنجاز عودة شاملة لهؤلاء. وأوضح وزير الخارجية جبران باسيل خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإيراني أن هذا الملف الأهم بالنسبة إلى لبنان.
ورأى باسيل، أن “للدولة السورية مساهمة كبيرة يمكن أن تقوم بها لتشجيع عودة النازحين عبر الضمانات في موضوع الملكية الفردية والخدمة العسكرية لوقف التخويف مع توسيع رقع المناطق التي يمكن أن تستقبل العائدين”، مشيرا إلى أن إيران أبدت استعدادها للمساهمة في هذا الموضوع.
ويضع وزير الخارجية ورئيس الجمهورية عودة النازحين السوريين أولوية مطلقة بالنسبة للعهد، ويريدان أن يحققا من خلاله إنجازا يعزز رصيدهما السياسي القائم أساسا على عنوان رئيسي وهو استعادة حقوق المسيحيين.
ومعلوم أن اهتمام الطرفين بمسألة عودة اللاجئين السوريين ليس لأن هؤلاء يشكلون عبئا ضاغطا على الاقتصاد اللبناني بقدر ما هو توجّس من توجه لتطوينهم في لبنان، ما يعني زيادة اختلال الطبيعة الديموغرافية والطائفية في هذا البلد لصالح المسلمين وعلى وجه الخصوص أهل السنة.
وفي وقت سابق شدّد الرئيس عون خلال لقائه في قصر بعبدا بالوزير الإيراني على أهمية دور طهران في المساعدة بمسألة عودة النازحين السوريين.
وأبلغ عون ظريف أن “مسألة النازحين السوريين في لبنان تحتاج إلى معالجة تأخذ في الاعتبار ضرورة عودتهم الآمنة إلى المناطق السورية المستقرة، لاسيما وأن تداعيات هذا النزوح كانت كبيرة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في لبنان”، معتبرا “أن لإيران دورا في المساعدة على تحقيق هذه العودة”.
ولفت الرئيس عون إلى أن “الحكومة اللبنانية الجديدة سوف تولي ملف النازحين أهمية خاصة لاسيما مع تعيين وزير لمتابعته”، في إشارة إلى صالح الغريب المقرب من رئيس الحزب الديمقراطي طلال أرسلان الذي تربطه علاقة قوية بدمشق.
ويرى مراقبون أن زيارة ظريف التي بدأت الأحد إلى لبنان، يبدو أنها حققت أهدافها لجهة إرسال رسالة للداخل والخارج بأن لبنان هو حلقة من حلقات النفوذ الإيراني، فإلى جانب الترحاب الذي قوبل به ظريف من بعض قادة لبنان، الذين تجاوزوا “الإحراج” مغدقين على الوزير “الضيف” سيلا من كلمات الترحيب وإبداء الرغبة في التعاون، بداعي أن لبنان يرفض التخندق ضمن أي جبهة، يقول البعض إن الجانب اللبناني ذهب بعيدا باتخاذ مواقف عملية داعمة لطهران من خلال اتخاذ زيارة ظريف مناسبة لإعلان مقاطعة مؤتمر “وارسو” الذي دعت إليه الولايات المتحدة ويركز على تهديد طهران لأمن المنطقة. ونوّه وزير خارجية إيران خلال المؤتمر الصحافي مع نظيره اللبناني بامتناع لبنان عن المشاركة في مؤتمر وارسو، وقال ظريف “أحيي وأثمّن عاليا الموقف اللبناني النبيل الذي اتُخذ بشأن مؤتمر وارسو”.
وشدد على أنه “ينبغي ألا نسمح للآخرين بأن يروجوا لتهديدات وهمية وواهمة”.
وتستضيف وارسو الأربعاء والخميس “الاجتماع الوزاري لتعزيز مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط” الذي تنظمه الولايات المتحدة. وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قبل أسابيع إن المؤتمر سيركز على “استقرار الشرق الأوسط والسلام والحرّية والأمن في هذه المنطقة، وهذا يتضمّن عنصرا مهمّا وهو التأكّد من أن إيران لا تمارس نفوذا مزعزعا للاستقرار”.
وأوضح باسيل أن لبنان سيغيب عن المؤتمر لسببين “الأول حضور إسرائيل والثاني الوجهة المعطاة له في وقت لبنان يعتمد سياسة النأي عن مشاكل المنطقة وليس الاصطفاف في محاور”.