
مجد بو مجاهد – النهار
يطغى “الربيع الاستراتيجي” الذي يطبع علاقة الرئيس سعد الحريري برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على التباينات الداخلية، وهذا ما أثبتته أيام تلت عاصفة سياسية هبّت مرّة، ثم انحسرت بين الحليفين الأقربين. وأثبتت التجربة بين رأسي حربة الرابع عشر من آذار سابقاً، أن القصف الكلامي لا يعدو كونه رشقاً بالورود، وفق ما يرشح من مقاربة أوساط سياسية في “تيار المستقبل”. فقد يختلف الرجلان على تفاصيل، لكن “قلب سعد يحنّ سريعاً لوليد”، وهما على تنسيق مستدام في القضايا الاستراتيجية، وهذا هو الاساس. وبعبارة أخرى، قد يختلف الرجلان على تفاصيل الحكم الصعبة، فتحصل مناكفات بين تياريهما السياسيين، لكن الرؤية على المستوى الاقليمي واحدة ومتكاملة.
ويبدو لافتاً تلقف الأوساط “المستقبلية” دوراً سعودياً حريصاً في الحفاظ على اللحمة بين الحريري وجنبلاط، وهذا ما استقاه “التيار الأزرق” بعيد الزيارة الخاطفة التي قام بها وزير الصناعة وائل أبو فاعور الى المملكة عشية انطلاق الجدل المتدحرج بين المكونين. وتؤكد الأوساط، في هذا الشق، تفاهم رئيس الحكومة مع السعودية على خطوط معينة، اذ تعنى الرياض في الحفاظ على اللحمة بين ثلاثية الحريري – جنبلاط – جعجع، صوناً للقوة الجدية المجابهة للمحور الايراني داخل البلاد. ويحتاج تدعيم هذه القوة الى تآلف صامد تكون له قاعدته الشعبية كمعيار اساسي. ولا يكفي الاتكال على قواعد التقدمي و”القوات اللبنانية” فقط، وفق الأوساط، لاحداث ثقل جدي في التحديات الاقليمية من دون مشاركة “الشيخ سعد” وتياره. وتدلّ هذه المعطيات على أن الظروف الاقليمية تحتّم تلاحم الثلاثية الآذارية راهنا، والباقي تفاصيل.
وهل تعني حتمية الحلف الاستراتيجي نهاية فصول التباين الداخلي على بعض الملفات؟ طبعاً لا! فالهدنة لا تعني أن “الدنيا ربيع” في مقاربة ملفات الداخل، وفق الأوساط، لكن المهم ألا تخرج الأمور عن طور المواقف من مواضيع محددة لتتحول إلى قطيعة في العلاقة الشخصية ما يذبذب على التفاهمات الكبرى. وكيف يقوّم “المستقبل” مواقف جنبلاط في الاقتصادية المتعارضة؟ تتحدث الأوساط، عن استحضار جنبلاط أحيانا الذاكرة الحزبية القديمة لكنه يعلم أن الأمور ليست بهذه البساطة، إذ ان بعض القرارات المتعبة والمؤلمة ضرورية من أجل الإصلاح. فالحفاظ على بعض الرؤى التاريخية التي تخطاها الزمن لا يفيد. وتستقرئ خشية لدى جنبلاط في ظل عدم امكانه الاضطلاع بدور “بيضة قبان”، نتيجة التفاهمات الكبيرة بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، لكن ذلك لا يعني أن الحبال ستقطع ولا بد من تفاهمات.
اذاً يدخل التقدمي و”المستقبل” في مرحلة “تجميد” التباينات وتبريد الأجواء والتهدئة الاعلامية. الصالونات التقدمية ليست بعيدة أيضاً من الحديث عن موقف المملكة العربية السعودية الثابت لضرورة أن تكون وجهات النظر متقاربة بين الأفرقاء خصوصا بين القوى التي خاضت مراحل نضالية مشتركة لاعادة الاعتبار للاستقلال اللبناني.
ويقول مفوض الاعلام في الحزب التقدمي رامي الريس لـ”النهار” إن “الاتصالات واللقاءات التي جرت مع “المستقبل” أرست مناخ التهدئة. الاتفاق حصل على الايجابية في العمل الحكومي مع التأكيد على الحق في التعبير عن رأي التقدمي الذي سيكون حاضراً في كلّ الملفات. والهدنة لا تعني الموافقة على “العمياني” على كلّ ما يطرح بل هي فرصة جدية للحكومة. ولن نسكت في موضوع ملف الخصخصة واقصاء الدولة واسقاط وظيفتها الاجتماعية”.
ويؤكد أن “التقدمي لا يتنكر للعلاقة التحالفية الوثيقة والنضال المشترك مع الحريري للتخلص من الوصاية السورية. لكن، ليس ثمة تطابق في بعض وجهات النظر، بل قلق مشروع على اتفاق الطائف وضرورة الحفاظ على توازناته، وقلق مما نشعر وكأنه هجمة ليبرالية مستجدة على كل الواقع الاقتصادي ترتكز على تطبيق الخصخصة من دون الحفاظ على المكتسبات الاجتماعية”. وعما يجمع بين الحليفين، يجيب: “الموقف من النظام السوري. نلتقي في لائحة ارهاب واحدة في دمشق. وعلاقات لبنان العربية هي العنوان الاساسي، والمهم الحفاظ على الثوابت. وداخليا نلتقي على الاستقرار وضرورة تحريك الوضع الاقتصادي وان اختلفت المقاربات. أما الخلاف فكان يحصل مع المستقبل في القدم في ملف الخصخصة وبيع القطاع العام. ولا نستطيع كحزب تقدمي أن نوافق على هذه القرارات”.
واذا كانت الخصخصة “عنوان” التباين الرئيسي بين الحريري وجنبلاط، فمن يوافق جنلاط في طرحه؟ المعلومات التي استقتها “النهار” من أوساط مواكبة للقاء معراب الذي جمع الدكتور سمير جعجع ووزير التربية أكرم شهيب تشير الى أن رئيس “القوات” ليس متحمساً الى معارضة الخصخصة، لكنه لن يتوانى عن “مواجهة الصفقات”. ويرجع ذلك الى تباين في العقائد بين القوات والتقدمي في هذا الشق، اذ لدى القوات قطاع رجال الأعمال.
الى ذلك، يؤكد مصدر مواكب أن جنبلاط اليوم بات ينتظر موقف “حزب الله” من الخصخصة ويراهن على هذا الموقف، كي لا يكون وحيدا ًفي معركته في هذا الشأن. ويعوّل جنبلاط على موقف “حزب الله” لناحية أن مواقفه التاريخية كانت أقرب الى عدم تبني الخصخصة.
اذا انها الخصخصة تخلّف تبايناً جنبلاطياً – حريرياً، نتائجه كانت الأكثر صخباً على صعيد تصدّع العلاقة بين الرجلين التي لم تشهدها الحياة السياسية اللبنانية منذ استلام الحريري الحكم بعد عام 2005. لكن ما تصدعه الخصخصة الداخلية بينهما، تعيد اصلاحه عدم القابلية المطلقة لخصخصة العداء مع النظام السوري الذي من المحتم أن يكون محورياً. والعمومية في النظرة الاقليمية، أقوى في تأثيرها على العلاقة من الخصخصة الداخلية!.