
اميل خوري – النهار
ما معنى أن يضع وزراء “التيار الوطني الحر” استقالاتهم الخطية في تصرف رئيس “التيار” الوزير جبران باسيل ليتخذ قراراً في شأنها بعد مرور 100 يوم على مباشرة الحكومة عملها؟ إن ذلك معناه أن تصبح الحكومة كلها في تصرفه ومصيرها تحت رحمته اذا لم يوافق مجلس الوزراء على المواضيع والمشاريع التي تهم “التيار” فيكون التهديد باستقالة وزرائه سيفاً مصلتاً فوق رأس الحكومة.
لقد حاول الوزير باسيل عند تأليف الحكومة أن يكون لحزبه الثلث المعطل كي يستطيع تقرير ما يريد أو تعطيل ما يريد. وعندما تعذّر عليه ضمان الحصول على هذا الثلث ساعة يريد، ابتدع فكرة الاحتفاظ باستقالات جاهزة لوزراء “التيار” يعلنها ساعة يشاء بعد مرور الـ100يوم، فيضع بذلك مصير الحكومة برمّتها تحت رحمة التهديد باعلان استقالة هؤلاء الوزراء، فتصبح الحكومة مستقيلة حكماً في غياب حزب له وجوده، ولا تبقى الحكومة حكومة “وحدة وطنية” وهو غير ممثل فيها، وهذا من شأنه أن ينتزع إحدى الصلاحيات الدستورية لرئيس الحكومة التي تجعله هو من يقرر مصير الحكومة وليس مجموعة وزراء اذا استقالوا وتعذّر تعيين بدائل منهم.
لقد منح دستور ما قبل الطائف رئيس الجمهورية من دون سواه، حق تعيين الوزراء وتسمية رئيس منهم، وحق اقالتهم أيضاً (المادة 53). أما دستور الطائف فقد حرمه هذا الحق فصار رئيس الجمهورية يسمي رئيس الحكومة المكلف تأليفها بالتشاور مع رئيس مجلس النواب واستناداً الى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها. وتُعتبر الحكومة مستقيلة بموجب المادة 69 اذا استقال رئيسها أو اذا فقدت أكثر من عدد أعضائها المحددين في مرسوم تشكيلها أو عند وفاة رئيسها، وكذلك عند بدء ولاية رئيس الجمهورية، وعند بدء ولاية مجلس النواب، وعند نزع الثقة عنها من قبل مجلس النواب. وقد أضاف الوزير باسيل الى هذه الأسباب سبباً جديداً لا ينص عليه الدستور الا وهو استقالة وزراء حزبه، وهذا معناه أنه صار شريكاً لرئيس الحكومة في تقرير مصير الحكومة، أو منافساً له في تقرير مصيرها بحيث يستطيع جعل الحكومة مستقيلة باعلان استقالات وزراء “التيار الوطني الحر” الجاهزة، ولا أحد يعرف الأسباب التي تجعله يعلن هذه الاستقالات اذ يعود اليه حق تقديرها… هل عند الخلاف على “تطبيع” العلاقات مع سوريا؟ هل عند رفض خطة تأمين عودة النازحين السوريين، أو عند طرح خطة تأمين الكهرباء وازالة النفايات وغيرها من المشاريع المطروحة للتلزيم، بحيث تصبح حكومة الرئيس سعد الحريري تحت رحمة التهديد الدائم لوزراء “التيار الوطني الحر” بالاستقالة التي يلوّح بها رئيس “التيار” الوزير باسيل ساعة يشاء لتمرير ما يريد من المشاريع وجعلها ورقة ضغط وابتزاز لرئيس الحكومة وللوزراء الآخرين.
لقد ارتاح الناس نفسياً بعد تأليف الحكومة، لكن وضعها تحت خطر التهديد باستقالة وزراء “التيار” يعيد اليهم القلق ويجعل وزراء أحزاب في الحكومة يدخلون معهم في سباق حول مَن منهم يفجرها قبل الآخر، وهو ما جعل الرئيس نبيه بري يولي أهمية للتآلف بين الوزراء بعد التأليف لتكون حكومة ناجحة ومنتجة قادرة على تنفيذ مشاريع مؤتمر “سيدر” وخطة شركة “ماكينزي” سريعاً وبشفافية، حتى اذا نهض لبنان في كل المجالات استطاع تحمّل عواقب الأزمات السياسية عند حصولها. أما اذا تحولت الحكومة من حكومة عمل الى حكومة مناكفات وشجار، فإن مرحلة ما بعد تأليفها تكون أخطر على لبنان من مرحلة ما قبل تأليفها، بحيث أنها لا تعود مرحلة أزمة حكومية بل مرحلة أزمة حكم تدخل البلاد في فراغ قاتل. وقد يكون الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله يدرك خطورة الخلاف بين الوزراء والدخول في مزايدات سياسية وشعبوية، فدعا في اطلالته التلفزيونية الى الهدوء والحوار والابتعاد عن السجالات الاعلامية وتهدئة المناخ السياسي، لأن أمام الحكومة استحقاقات كبيرة، وثمة مخاوف لدى قوى سياسية ونقاط قلق مطروحة عند بعض الأفرقاء في الداخل.
لا شك في أن الناس فرحوا بتأليف الحكومة، وانتعش الوضع الاقتصادي والمالي، وتراجع شراء الدولار أمام الليرة اللبنانية. فعلى بعض الوزراء والسياسيين ألا يحوّلوا هذا الفرح حزناً فيقولون ما قاله ذاك الرجل الذي رزق مولوداً بعد عشر سنين من زواجه، عندما بشّرته القابلة بولادته: “المهم يعيش”…