
ابراهيم بيرم – النهار
كان لافتاً أن يخصص الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن #نصرالله ثلثَي مضمون إطلالته الاعلامية الاخيرة للحديث عن مستقبل #وزارة_الصحة في عهد وزير مقرب من الحزب، وضرورة ان يتصف عملها لاحقاً بالانتاجية من جهة، وبالنزاهة والشفافية من جهة أخرى، مستعيناً باللغة الأرفع لدى الحزب وهي “المسؤولية الشرعية” التي تحرِّم الاستحواذ على المال العام وتُجرِّم التصرف به وفق أهواء ومقاييس تعارض أوجه الإنفاق الشرعي.
والعنصر اللافت في الأمر كان التركيز الاستثنائي على هذا الموضوع (وزارة الصحة)، على نحو من التهيّب والاستعداد بدا معه الحزب كأنه يتسلم للمرة الاولى حقيبة وزارية، علماً ان الحزب كان قد أنهى زهده القسري بالدخول الى الحكومات منذ عام 2004، أي منذ عهد الحكومة الثانية للرئيس الراحل عمر كرامي، وعلماً ايضاً ان الحزب سبق له أن تسلم منذ ذلك الحين حقائب وزارية حساسة وفاعلة ومنتجة مثل وزارة العمل (تولاها المقرب من الحزب الدكتور طراد حمادة)، ومثل وزارة الطاقة (تولاها الوزير محمد فنيش)، فضلاً عن وزارات الصناعة والزراعة والاصلاح الاداري والشباب والرياضة وشؤون مجلس النواب.
وبناء عليه فان السؤال المطروح بالحاح هو: لماذا يكرس سيد الحزب اطلالته الاعلامية التي امتدت اكثر من ساعة ونصف ساعة للحديث المكثف عن موضوع حصري يقوم على الآتي:
– ضرورة تهدئة التوتر والسجال الداخلي على خلفية انطلاقة الحكومة الوليدة.
– الانفتاح على كل الآراء والتوجهات واعتبار العمل الوزاري شأناً عاماً يهم الجميع وليس شأن أي حزب او قوة تسلمت حقيبة بعينها.
– الاشارة ولو العابرة الى تمسّك الحزب بـ”تفاهم مار مخايل” واعتباره ثابتاً من ثوابت الحزب.
– إفراد الجزء الاكبر من الاطلالة للحديث عن وزارة الصحة وملابسات تسلم الحزب هذه الحقيبة، فضلاً عن الاهتمام الخاص الذي قرر الحزب ايلاءه لهذه الوزارة كي تنجح.
لذلك، وبحسب العالِمين بخفايا عقل الحزب، ان هذا التوجه وهذا الجهد له ما يبرره ويستدعيه، فالحزب كان القابلة التي وُلِدت الحكومة على يديها بنسختها الاخيرة التي خرجت الى النور، ولاسيما بعد انتاج تسوية هجينة وفّرت تمثيل #اللقاء_التشاوري على نحو أرضى اللقاء نفسه، ووفرت ايضاً فرصة ولو عابرة للوزير جبران باسيل لكي يظهر بمظهر القابض على الثلث الضامن في الحكومة.
وعليه، أراد الحزب ان ينفي عن الحكومة الاتهام بأنها حكومته، لكنه يصر في المقابل على ان يكون في موقع الضابط لتناقضات هذه الحكومة والمشجع على انطلاقها.
ومن المنطلق عينه، تأتي عناية الحزب الشديدة بوزارة الصحة والرهان المعلَن على انجاحها في عهدة وزير محسوب على الحزب.
وهذه المسألة عند الحزب لها ما يبررها، فهو عندما قرر قبول التحدي وتسلم هذه الحقيبة بالذات، كان يحيط تماماً بحجم المخاطرة وبجسامة المهمة، ويعي ايضاً ان لهذه الوزارة ثالث أكبر حصة من الموازنة العامة، وانها استطراداً تتصل بحياة وصحة اكثر من نصف الشعب اللبناني، أي الاكثر حرماناً واستضعافاً، فليس خافياً ان وزارة الصحة تشرف على نحو 12 مستشفى حكومياً تتوزع على كل لبنان، فضلاً عما لا يقل عن 30 مستوصفاً ومركزاً صحياً واستشفائياً من مختلف الاحجام والتقديمات.
والاهم الاهم ان هذه الوزارة بالذات هي التي تملك حق الاشراف على أسرّة وزارة الصحة في المستشفيات الخاصة، إضافة الى مهمة تسعيرة فاتورة الدواء.
ولاشك ان ثمة من ذكَّر الحزب عندما قرر التجرّؤ على التصدي لهذه المهمة الشاقة وتسلّم هذه الحقيبة الحساسة، بان ثمة طبيباً انسانياً رائعاً تسلم هذه الحقيبة الوزارية في عهد “حكومة الشباب” (التي ترأسها الرئيس الراحل صائب سلام) في مطلع عهد الرئيس الراحل سليمان فرنجيه عام 1970، اسمه الدكتور اميل بيطار، اختار ان يدخل في مواجهة حادة مع مافيا شركات استيراد الدواء (لبنان يستورد حاليا ما قيمته مليارا دولار من الدواء والمستلزمات الطبية سنويا)، لكنه ما لبث ان أُطيح وأُجبر على تقديم استقالته، فمضى نظيف الكف نقيّ الضمير لكن اسمه ظل يستعاد كلما حدث نوع من هذه المواجهة ويردَّد كلما عجز وزير عن المواجهة وقصَّر عن الإيفاء بما تعهده، وهذا دليل على قِدَم المواجهة وعدم التكافؤ في المعركة.
فضلاً عن ذلك، ما من وزير تسلّم هذه الحقيبة إلا خرج منها محاصراً بجملة اتهامات أقلها العجز عن ضبط الاهدار والفلتان المستشري والقصور حتى عن ادارة المستشفيات الحكومية وفي مقدمها الاكثر عصرية والاكبر “مستشفى رفيق الحريري الحكومي” في العاصمة (يتسع لأكثر من 350 سريرا). خلاصة الامر ان الحزب يدرك ان كثيرين قبله “احبوا ان يجربوا” وهم يمثلون كل القوى وآخرهم يمثل حزب “القوات اللبنانية”، وتعهدوا اداء مميزاً ومحاربة الفساد والتسيب، لكن النهايات دوما كانت درامية وربما مأسوية.
إجمالاً، ايقن الحزب انه يخوض الآن غمار اختبار تحد كبير وان العيون شاخصة اليه، فعزم على الإقدام وقرر ان يصنع تجربته المميزة وهو الذي اعتاد في سيرته المقاومة، ألا يخسر اي مواجهة يقرر ولوجها سواء على الحدود الجنوبية او في الميدان السوري او على الحدود الشرقية.
وثمة في الحزب من يتحدث انه منذ نحو تسعة اشهر جنّد الحزب قسماً من خيرة كوادره العلمية والقانونية والادارية لوضع خطة عنوانها العريض اداء متميز لهذه الوزارة بعد درس اوضاعها والغوص في اعماقها، وهي تعتمد على الآتي:
– البحث عن اسم مميز يتولى هذه الحقيبة، وقد تم طرح 4 اسماء(بقاعية) ورسا الامر على رئيس اللجنة الطبية في مستشفى الساحل والطبيب الخاص للسيد نصرالله.
– تخصيص فريق متكامل يكون بمثابة مساعد لهذا الوزير في مرحلة ما بعد توليه الوزارة.
– القرار المتخذ ضمانُ إنجاح مهمة هذا الوزير أياً تكن التضحيات.
– المهمة بالنسبة الى الحزب تماثل الى حد بعيد مهمة التحضير لعملية نوعية والقرار بالفوز والنجاح إنفاذاً لشعار “ما خضنا مواجهة إلا انتهت بالفوز المبين”، لاسيما ان قواعد الحزب ضغطت بكل ثقلها بعدما ضاقت ذرعاً من زهد الحزب بالعمل الحكومي وترك أمر الدولة للآخرين.
لذا لم يكن غريباً ان يخرج السيد نصرالله ويكرس جلَّ اطلالته لهذا الامر.