حفل “على بيت الدين” يعيد زياد الرحباني إلى مهرجانات لبنان

قطع الفنان زياد الرحباني عزلة استمرت لأكثر من عامين ونصف العام واعتلى مسرح بيت الدين برفقة فرقة هي الأضخم في تاريخ المهرجانات الصيفية، ضمت 83 موسيقيا، قسم منهم ينتمي إلى الأوركسترا الوطنية اللبنانية، ومعهم عازفون عرب وأجانب، إضافة إلى كورس.

وافتتح الرحباني موسم بيت الدين بحفل حمل عنوان “على بيت الدين” أمام جمهور قارب العشرة آلاف شخص، ضمن مهرجانات تقام سنويا في قصر الأمير بشير الشهابي في بلدة بيت الدين.




وامتلأت مدرجات المسرح بجمهور تواق إلى مشاهدة الرحباني، فيما غصت الأسطح والشرفات المجاورة للمسرح بمتابعين لم يتسن لهم شراء التذاكر التي نفدت من الأسواق.

وأمام حضور تقدّمته بعض الشخصيات السياسية والاجتماعية والإعلامية جلس زياد وراء البيانو ليعزف وليقدّم الأغاني السياسية الساخرة، رغم إصراره على ترديد عبارة “ممنوع السياسة”.

ورافقت زياد فرقة موسيقية متعددة الجنسيات من مصر وسوريا وأرمينيا وهولندا والأرجنتين وروسيا، إضافة إلى أعضاء من فرقة المعهد الوطني اللبناني للموسيقى (الكونسرفتوار) بإدارة نيكولاي بابايان.

وقدّم زياد موسيقى من مسرحيته “شي فاشل”، بالإضافة إلى المقدمات الموسيقية لمسرحيتي والدته فيروز “ميس الريم” و”صح النوم”.

وعلى مدى ساعتين قدم زياد وفرقته أغنيات ومعزوفات موسيقية تنوعت بين قديم وجديد، ومن مسرحية “صح النوم” أدت السورية منال سمعان أغنية “البير المهجور” للفنانة فيروز.

ومن أعماله الجديدة غنت منال سمعان أغنية “ليك” وكذلك أغنية “صمدوا وغلبوا” والتي كان أهداها الموسيقار اللبناني إلى أهل الجنوب اللبناني وغزة.

وبين أغنية وأخرى كان زياد وبعض أعضاء الفرقة وبينهم ممثلون مثل طارق تميم يقدّمون “اسكتشات”، بينما تتعالى الضحكات على مدرجات المسرح.

وعلى طريقة الفنان المصري الراحل الشيخ إمام جلس المصري حازم شاهين حاملا عوده ومغنيا “هاتلي يا بكرا صفحة جديدة حطلي مصر في جملة مفيدة”.

وتناوبت الفرقة على تقديم مجموعة من أغاني فيروز ومنها “كل ما الحكي” و”تلفن عياش” و”كان غير شكل الزيتون” و”بيي راح مع العسكر” و”بكتب اسمك يا حبيبي” و”اشتقتلك”، كما تم تقديم إحدى أشهر أغاني زياد الرحباني خلال الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990 “شو هالايام يللي وصلنالها.. قال انو الغني عم يعطي فقير”، بالإضافة إلى “في عدالة” و”شو ما بدك”.

وتولى هاني سبليني تنسيق عمل الفرقة الموسيقية والإشراف على التدريبات، فيما كان المسرح تحت إشراف المخرجة المسرحية لينا خوري.

وشارك نحو 26 فنانا وفنانة في التمثيل والغناء المنفرد والكورس، بينهم لينا خوري وريما قديسي وغازاروس الطونيان.

وقبيل بدء الحفل قالت نورا جنبلاط مديرة المهرجان “الحدث هذه السنة هو عودة زياد الرحباني إلى الساحة الفنية، وكان من الضروري أن نفتتح بزياد وبهذا العرض الضخم الذي يقدّمه”.

وأضافت “معنا أكثر من مئة فنان وموسيقي وتقني، حيث يقدّم نسيجا من 40 سنة من السجل الرحباني الخاص به، وهناك أصوات شابة رحبانية الهوى”.

وختمت “هنا موقع زياد الطبيعي.. سبق واستقبلنا زياد الرحباني مع السيدة فيروز في أوائل الألفين، وهذا موقعه الطبيعي”.

وقال الصحافي اللبناني ومقدّم البرامج جورج صليبي “بعد هذه الغيبة كنا ننتظره بشوق، لا أحد يعمل موسيقى مثله، لا أحد يعمل توزيعا مثله، لا أحد يعطي هذا الجو الموسيقي مثله.. اللقاء معه بعد هذا الغياب لقاء مميز، وعلى أمل اللقاء مع السيدة فيروز قريبا لأننا اشتقنا إليها كثيرا واشتقنا إلى أن تكون معه أيضا”.

وكان زياد قد أعلن أواخر شهر يونيو الماضي عن عودة العلاقات إلى طبيعتها مع والدته فيروز بعد قطيعة دامت سنوات، كما أعلن عن حفل لفيروز العام القادم بعد سوء تفاهم وقع بينهما على خلفية إعلانه عن موقفها السياسي.

وبدا زياد الرحباني في حفل الخميس منحني الظهر، حيث جلس طوال السهرة خلف البيانو، ولم يكن يتركه إلاّ ليدخل إلى الكواليس خلف ستارة سوداء أقيمت إلى يمين المسرح، ولم يقف على المسرح حتى في نهاية الحفلة، رغم هتافات الجمهور بالمطالبة بظهوره.

وقالت سنا إسكندر التي تعمل في مجال التواصل “منذ زمن بعيد لم أشاهد زياد الرحباني على المسرح، هو كما هو، لم يتغير.. شوقي إلى زياد وحماستي له جعلاني أشعر أن وقت الحفلة مر بسرعة”.

أما ريتا عازار من أنطلياس، بلدة عائلة الرحباني، فقالت “يا لها من موسيقى جميلة.. كل جملة موسيقية تحمل إبداعا، إنها أعمال نظيفة للأذن، بخلاف ما نسمعه اليوم”.

ويستمر المهرجان حتى 11 أغسطس القادم في قصر الأمير بشير الشهابي المبنيّ في أواخر القرن التاسع عشر في بلدة بيت الدين الجبلية الواقعة على مسافة أربعين كيلومترا جنوب شرق بيروت.

ويواصل مهرجان بيت الدين، الذي انطلق في العام 1985، أي في ذروة الحرب اللبنانية (1975-1990)، تقديم مساهمة كبيرة في المشهد الثقافي والفني في لبنان، معرفا جمهوره على طاقات فنية لبنانية وعربية وعالمية، ومشاركا في إغناء المشهد الثقافي والفني في بلد لم تحل اضطراباته الأمنية والسياسية دون تواصل الحياة الإبداعية فيه ونموها.