طوني أبو روحانا – بيروت اوبزرفر
يعيش لبنان الراهن أعلى منسوب تكاذب وشهادة زور وتشبيح منذ تاريخه
فنظرياً، وبمفهوم بعض السُذَّج فقط، ذلك أن بعضهم الآخر، الأفهم قليلاً، إنما لمرّات لا تستمر طويلاً، ما انطلت عليه الحال
وانطلاقاً من أن الثوابت والعناوين المصيرية، باتت تُحَدّدها وجهات نظر على المقاس..
عَبَرَ البلد الى الدولة، وعادت الجمهورية الى كنف شرعيتها الأصيلة، وبدأت ترجمة هذا العبور المجيد، وانطلاقة العهد الجديد، بالزخم، الذي يُرادف أن هذا كان أقصى المطلوب، وأن لا شيء غير ذلك في الأفق يدعو الى القلق، لا في الداخل ولا في المنطقة
وأن هذا اللبنان، قطعة من أرض معزولة عن محيطها، على غير كوكب.
والحقيقة، أن نفس البلد، أي لبنان الذي يتداول الإعلام في أسماء وزراء حكومة العهد الأولى، ويتناول ملفاتهم وتاريخ انتماءاتهم، ووظائفهم، ويرسم للرئيس هالة الملاك القادر على التغيير بسحر ساحر، او شفاعة، حتى نهوض المُخَلَّع..
يُهَنّئ، ويتزلّف، ويلعب دور الموضوعية
ويستعطف الناس بالتعمية، والمقاربات العبثية التي لا تمت الى الواقع بأي صلة.
معه، بعض جماعات السياسة الذين استَجَدوا في التحالفات
يستعطون أطول فترة سماح ممكنة، يحاولون نقل صورة مُبهِرة عن الغد المقبل بالنفوذ وتحقيق الطموحات، وتثبيت الأوزان، واختلاق الأساطير، وتأريخ الوهم وفق حاضر ما عاد يُشبه الشرق ولا أهله، ولا حتى لغته..
دجل حتى النخاع.
في المقابل، نفس الدولة التي عبر إليها نفس البلد
هي فعلياً أمام مرحلة استعادة مشهد النظام الأمني الحاكم، والمُسَيطر على السلطة، مع أكبر مروحة مُمكنة من القوى الراسخة في مواقعها، على مر عقود من القبض على مفاصل الأمن والإستقرار، ويوميات أي معارض، والتي لا يُستَغرَب إصرارها على إعلان عودتها مُنتَصرة..
وتلك المُستَجِدة في واجهة المُشاركة والتغطية
التي تعبر اليوم الى الدولة، مع نفس النظام الذي عانت منه غابراً، ثم تنازلت، حتى استعادها بين أحضانه من دون أي مقاومة، ولا حتى كلمة اعتراض إلا في سيناريو التحاصص والمناصب، وأمام حسابات الإنتخابات المقبلة
وعلى الرغم أنهم يعرفون تمام المعرفة
بأنهم لا يُمَثّلون في هكذا دولة سوى الفراغ، وأن لا قدرة لديهم بقطع خيط في تعيين ناطور أحراج من دون موافقة المرشد وحزبه، وضمانة قطع الأرزاق والأعناق، ونهاية كل مَن تُسَوّل له نفسه الخروج عن الطاعة.
نظرياً، هناك دولة منتظمة، على قيد الحياة، تعمل جدّياً بكامل مكوّناتها ومؤسساتها وأجهزتها
بسلطتها، وزعاماتها، ومعارضيها، ومواطنيها..
اما فعلياً، فهذه الدولة لا أثر لها، غير موجودة، انتهت لحظة أمسك حزب الله بقراراتها، صاغ بياناتها الحكومية، صادر مواقفها وخياراتها، وتحوّل مرجعيتها الوحيدة من دون أي منازع.
للجميع مكان في الصورة، دائماً، ولا مكان لأي أحد، نهائياً
الجمهورية نموذج انتهى، لبنان اليوم أمام نموذج جديد لا يُشبه سابقه في أي شيء، قد يكون محافظة، ولاية، قائم مقامية، او مُستَعمرة.. ربما
سمّوه ما شئتم، إنما ليس هناك أي إمكانية لعودته جمهورية، والهوية مُلتَبسة، والحكم تسويات يُلزِمها الخضوع.
لطالما كانت الجمهورية اللبنانية شبه جمهورية
تسقط عند أول هزّة، او أقل أزمة، وما تغيّر شيء، إنما هذه المرّة، والمرحلة أخطر من سابقاتها بأضعاف الأضعاف، ما عادت تتخطى الكذبة، ولا عاد من إمكانية بإعادة البناء الى ما كان عليه، رغم كل العفونة التي صبغته منذ تأسيسه، وفي عمق أساساته..
لبنان اليوم، أنقاض جمهورية، تستسلم لطوائفها، لطائفة، وتتهاوى بخطوات حثيثة
جمهورية على ضفاف الهجرة.