يتساءل المراقبون للامور التركية والعارفين بخبايا اوضاعها عما إذا كان الانقلاب العسكري في دولة مثل تركيا يُحضر له بهذه الخفة وهذه الطريقة التي ادت الى فشلها منذ لحظاتها الاولى والحقت الاذى الكبير بمعنويات أهم قوة عسكرية في منطقة الشرقالاوسط المضطرب وادت الى مجزرة بحق ضباط وجنود يتلقون الاوامر بالتراتبية الهرمية ولا يناقشونها كما تقول اصول الانظمة العسكرية للجيوش المحترفة في اي بلد في العالم.
المعروف ان الرئيس رجب طيب اردوغان يملك من البراغماتية ما يؤهله لتحويل الابيض الى اسود امام الراي العام إذا كانت مصلحته تقضي في ذلك,فهو تمكن من الافلات من عدة امور صعبة واجهت حكمه مثل الفساد وتسلط افراد عائلته وبطانته على امور اقتصادية هامة وموقفه الملتبس من تنطيم الدولة الاسلامية (داعش) الى تطبيع علاقاته مع موسكو واسرائيل ومحاولة ترتيب الاوراق الاخيرة مع النظام السوري بعد المواجهات السياسية والعسكرية العنيفة معه على مدى السنوات الخنس الماضية وتخليه عن احد أهم اصدقائه ومؤيديه ,رئيس الوزراء السابق احمد داوود اوعلو الذي ضاق ذرعا بتسلطه على سلطاته كما تقول صحيفة حريات التركية الواسعة الانتشار.كل ذلك يطرح علامات استفهام كبيرة عن هذا الانقلاب وتوقيته وحجم الذين قاموا به في هذه الخفة والبهلوانية التي لا تتناسب مع قدرات الجيش التركي.فاردوغان الذي حاول القفز على الربيع العربي واراد ان يحشر انفه بقوة في ليبيا ومصر وتونس وليبيا وجارته سوريا ولم يابه يوما لعدد الضحايا االبريئة او المستغلة الذين يسقطون في ساحات القتال منذ عملية سفينة مرمرة الى جبهات القتال العربية كان همه الوحيد الاستحواذ على اكبر قدر ممكن من السلطة والنفوذ والقوة في الداخل والخارج لتمهيد الطريق امامه لتحويل هذا البلد العلماني الذي يدين بتقدمه وتميزه عن دول المنطقة لمؤسس العلمانية فيه كمال اتاتورك الى مسار سياسي اخر قائم على الفلسفة الدينية لتسهيل تحوله الى ديكتاتور بطريقة شعبوية على الطريقة العونية .وهي الطريقة التي اسست في الماضي الى انهيار الامبراطورية العثمانية وتقهقرها بعد ان كانت واحدة من اهم دول العالم في ذلك الزمن.
لذلك وللوهلة الاولى ,ستنصب اللعنات من الشعب التركي على الانقلابيين واتهامهم بالعمالة والخيانة وتحميلهم كامل المسؤولية وهذا ما يتبادر الى ذهن المواطن العادي الذي قد يذهب الى ابعد من ذلك بقليل فيدير اصابع الاتهام للداعية محمد فتح الله غولن المقيم في ولاية بنسلفانيا الاميركية اي على بعد 8000ميل عن انقرة واسطنبول ,ولكن هل نصدق ذلك كما يريد اردوغان للنيل من خصومه الداخليين والخارجيين في آن؟ام انه سيعود للتعامل بواقعية اكثر وبراغماتية افضل مع هذين الفريقين:غولن والمعارضة الصاعدة من الجيش والقضاء والناس ؟خصوصا بعد فشل اجهزة مخابراته التي حاول تغليبها على المؤسسة العسكرية في ان تكون فعالة وبديلة في نفس الوقت؟وهي التي فشلت فشلا ذريعا في الداخل وإن نجحت لحد ما في ادارة ملف داعش والنصرة داخل سوريا؟
بعض المصادر اوردت تقارير مهمة بعد الانقلاب عن ان الرئيس التركي ضاق ذرعا باعتراضات عدد كبير من القضاة والضباط على سياساته وشكه بولائهم له وعرقلتهم لمشروعه في تحويل النظام التركي الى نظام رئاسي بالكامل غلى غرار النظام الاميركي ويصادف موعد الترقيات للضباط في اخر شهر اب المقبل,وتضيف هذه المصادر بانه قد يكون اوعز لشخص مقرب منه كي يدبر هذه المحاولة الانقلابية بالطريقة الصبيانية التي حصلت فيها وبالتالي فشلها مما يطلق يده ولسانه للاقتصاص من معارضيه بالاعدام المنوع في تركيا بعد تعديل القوانين.
مهما يكن من امر فان الاوضاع ما بعد الانقلاب لن تكون كما كانت قبلها,وان كتلة المعادين لاردوغان ستكبر من كل الفئات وعليه ان يراجع حساباته ويتخلى عن طموحاته واساليبه في ممارسة السلطة وان يعيد الديموقراطية الى مسارها الصحيح وليس ان تصبح ديموقراطية شكلية كما هي الحال في جارته روسيا حيث يتبادل بوتين وديمتري ميدفيديف السلطة كل اربع سنوات لاستمرار حكم ديكتاتوري مقنع والفان العديد من الصراعات ستنشأ وقد يكون مصير تركيا مثل سوريا والعراق خصوصا ان فيها من القوميات والاثنيات ما يجعل الاتراك اقلية مثل غيرها الى جانب العلوية والكردية ناهيك عن القضية الارمنية العالقة في الضمير العالمي وتنتظر الظروف المؤاتية للعودة الى الساحة التركية.