لانتخابات بلدية طرابلس بما تستتبع من انتخابات نيابية قادمة وتؤشر لمستوى الاحجام نكهة سياسية خاصة فهي الى حد ما تؤشر للمزاج السني السياسي العام خاصة اذا ما تمددت نحو عكار حيث بدأ الميقاتي يتلمس طريقه في اكثر من اتجاه…إذ بإمكانها فرض الشراكة السلطوية وسط العاصمة في مقر الرئاسة الثالثة او تثبيت آحادية التمثيل فحسابات قطبي المعادلة المركبة في المدينة “العزم والمستقبل” تتخطى حسابات حقل وبيدر ما اصطلح على تسميته “المجتمع الدني” الذي يفتقد الى “كاريزما” التحرك فإدارة الارقام الكبيرة في السياسة كما في المال والاقتصاد تتطلب مهارات وحسابات ومدققين من نوع خاص على مستوى خوض المعارك وعقد الاتفاقات وإرساء التفاهمات الظرفية في الوقت الذي يتسلح فيه الخصوم من الحراك الشعبي بترسانة من النوايا الحسنة وفائض من المشاعر التفاؤلية الغير قابلة للصرف بناء على التجارب السابقة في صناديق الاقتراع فالمزاج العام المضمر في اللاوعي لا زال يحن الى ترداد نفس المعزوفات السابقة للحصول على انغام مختلفة وهذا شيئ يستحل إن لم يُعمل على تغيير قواعد اللعبة في العرض والطلب ويبدوا ان ذلك يحتاج الى معجزة في زمن الرتابة.
السقوف العالية التي طرحها كلا القطبين حول جدارة التمثيل تجعلهما في موضع التهيب للنتائج الغير موثوقة اذا ما ادركت احدهما وطاله التاريخ الانتخابي وخذلته ارقام الصناديق ،ما لم يكن هناك المزيد من الارانب في جعبة كلا الطرفين او احدهما،عدم الثقة بالفوز تدفع كلا الجانبين للقول “عصفور في اليد ولا عشرة على الشجرة” وهذا ما يفسر تباري الحريري والميقاتي بنفس الاسماء لرئاسة المجلس المنتظر، خاصة ان التفاهم اذا ما حدث وبفعل الانهاك الذاتي والواقعية السياسية ان يؤسس لما بات يعرف بربط النزاع بين العزم والمستقبل على شاكلة التحالف القواتي العوني الغير قادر على التطور والتحالف المطلق بفعل ازمة الثقة المتأتية من التعارض السلطوي البنيوي بعلاقة طرد وجذب تفرضها الظروف والوقائع ،شيئ واحد قادر على الاطاحة بالتفاهم البلدي هو أن يشعر احد الطرفان بالثقة الكاملة ليس بالفوز إنما باللاهزيمة عندها تصبح معركة اثبات الحضور واردة وبقوة بفعل اللاثقة المتبادلة بين الطرفين وعلى اكثر من صعيد.
المناورة الحاصلة بين العزم والمستقبل ربما القصد منها شيئين اثنين انه اذا ما تم التوافق فينبغي ارهاق لوائح الظل بانتظار التدجين والا سيعمل الطرفان على استمالة بيضة القبان كل الى جانبه اذا ما كان الخيار هو الذهاب الى ام المعارك الانتخابية ، على ان المستقبل يرى من جانبه افضلية التوافق على الخصام باعتبار ان منافسيه في بيروت وصيدا اقل شراسة فالحالة الميقاتية تنحصر في مدينة طرابلس ليس الا.
لم تكن حتى الان نتائج التوافق كما التعارض بين المستقبل والعزم على قدر الرهان البلدي بفعل عجز الراي العام الطرابلسي عن فرض خياراته الواقعية المناسبة خارج المغامرات المتنوعة في السياسة والامن والاجتماع والاقتصاد….
المشهدية الحالية تؤشر لاستمرار فشل العمل البلدي بغض النظر عمن يربح من القوى المتصارعة في المدينة وذلك بفعل عدم وجود الرؤية الواضحة المتكاملة للعمل الانمائي في ظل الظروف الحالية بما تتطلب من اعلان حالة طوارئ عامة تطال كل شيئ.
الرئيس المنتظر حسب الترشيحات والترجيحات السيد “عمر حلاب” يبدو انه بحاجة الى مستشار اعلامي محنك (ولا امانع في هذا المنصب بالتأكيد إذا ما بلغت الامور خواتيمها السعيدة) ليفرمل احتفالاته التي تبدو متسرعة بعض الشيئ دون الحد من حماسة الدوافع لانجاز الاعمال عندما غرد على صفحته قائلاً” شكراً لجميع من أيّدني وشجّعني وتوافق عليّ.
أساس النجاح هو فريق العمل الذي يتمتع بالكفاءات والاختصاصات والسيرة الناجحة وروحية القيادة.
إصراري وقدرتي لتحقيق هذا الهدف هو ما سيجعلني أكمل وأمضي قدماً وهذا ما يجعلني مؤمناً بأنّ طرابلس ستعود للتألق والمنافسة.
والله وليّ التوفيق..”.
ولفهم استراجية السهل الممتنع (للرئيس حلاب) في قيادة المعضلة البلدية في طرابلس فهي بسيطة ومهمة عندما يؤكد” لا تنسى ان تتبع السهولة في تفكيرك عند حلّ اصعب الامور…فالتعقيد لا يحلّ العقد!”.
الرئيس السابق الدكتور “نادر غزال” ما انفك يحذر في تغريداته على ادوات التواصل من شرور التوافق السابق الذي فرض عليه فريق عمل غير متجانس ومما قاله حرفياً” في مثل هذا اليوم من العام الماضي (25 نيسان)، قدمت استقالتي من رئاسة بلدية طرابلس واتحاد مدن الفيحاء، وذلك بعد أن فقدت الأمل من قدرتي على الإستمرار في مواجهة الفساد والتعطيل والمناكفات. وقد كنت قد عرضت الإستقالة مع معالي وزير الداخلية عام 2012، وكذلك دولة الرئيس سعد الحريري عام 2013.
وبمراجعة سريعة بعد مرور هذا العام أقول: لقد انصفني عموم المواطنين ومن ضمنهم كل القيادات السياسية وأبرزهم دولة الرئيس الحريري ودولة الرئيس ميقاتي حيث أقر الجميع بكفاءتي وحفظي المال العام وبأن إعاقة العمل البلدي لم تكن لسبب يعود لي، بل لسبب تركيبة المحاصصة. طبعاً طرابلس هي الخاسر الأكبر من هذه التجربة المرّة، فهل نتعظ ونحن على أبواب الإنتخابات بلدية؟”.ويخلص الغزال في تغريدة اخرى للقوى نرجح انه في السياق نفسه” التاريخ يعيد نفسه؛ نفس الوجوه ولكن تختلف الأدوات والأعذار… والضحية واحدة… “.
هذا وإن كان جوهرياً ليس هو كل المشكلة ربما القضية برمتها مقصوداً منها مصادرة قرار المدينة لعزلها عن التأثير العام بما له من اهمية وعلى ما اثبتته التجاذبات الامنية والعسكرية عبر حروب الاذقة والزواريب طويلاً بما لها من امتدادات اقليمية فعندما تستعيد طرابلس قرارها السياسي المعبر عن حقيقتها الحضارية سواء من خلال المستقبل والعزم او غيرهما عندها يصبح اتخاذ القرار الانمائي تحصيل حاصل باعتبار ان الانماء قرار سياسي تتخذة الدولة العادلة والمنتجة لان وفرة الانتاج مع سؤ التوزيع احتكار كما ان عدالة التوزيع دون انتاج كاف هو توزيع للفقر والبؤس.
في العمق هذا الهدف بعيد المنال فالنهوض الثقافي العام لا زال يراوح مكانه مفسحاً المجال للمستشارين بتقرير مصير المعارك وأمها بالوكالة.