طوني ابو روحانا – بيروت اوبزرفر
في عمق المشهد الراهن ما عاد هناك أوضح من رغبة طهران بالهيمنة الكاملة على ما تبقى من جمهورية لبنانية، وإنهاء ملف مَن بقي من معارضة لازالت تقف لها بالمرصاد، رغم الفارق الكبير في موازين قواها داخلياً، ودعماً خارجياً بكافة تفاصيله ومواصفاته، وأن معظم هذه المعارضة، باتت أقرب الى الإنحناء أمام ضغط الأمر الواقع، منها الى الإختلاف او الخصومة مع أدوات الوصاية.. وأي مقاربة اليوم ما بين الإصطفافات المُفتَرَضة، والمزاد الرئاسي، لا يُمكن سوى أن تعكس صورة الإنهيار الذي يتراكم، والجبهات التي تتفعّل، وخطوط التماس المُستَجدة، مما يُظَهّر حال البلد على تورّط أوسع وأشمل في التصعيد الذي تُحَضّر له إيران حالياً، وشغفها في الإمساك وحدها بالورقة اللبنانية، بعد أن أصبحت روسيا شريك حرب على الساحة السورية، وشريكاً مسيطراً في الوصاية على النظام، وبعد أن تحوّلت فرقعة انتصاراتها في المنطقة، الى مجرّد خطوات ناقصة، قد ترتد سلباً على ما تخوضه في الداخل، وبالتالي، بات التوسّع أضمن حيث يسيطر حزب الله ويستطيع بحكم فائض قوته إقصاء خصومه او ترويضهم، لا فرق، ومن دون أدنى شك، أصبح تسعير الحملة على السعودية ضرورة حتمية بين الأدوات المُستَخدَمة، وأولوية على الأجندة المتقدمة، في مرحلة يتسارع خلالها طوفان مكوّنات الحرب الإستباقية، ما بين الفُرس أصحاب مشروع الإنقضاض الإقليمي، والعرب، الذين اختاروا أخيراً حق الدفاع عن النفس في مواجهة الخطر الداهم الذي يتهدد أمنهم ووجودهم.
اما في لبنان تحديداً، فقد بات الجميع في مواجهة حقيقة ما عادت خافية على أحد، امام تضاؤل إمكانيات تدوير الزوايا، وربما انعدام فرص فبركة أي سيناريو على غرار التهديد بالأسوأ، إيران اليوم تطالب بالإنقلاب أياً يكن الثمن، تُطالب بما كان دائماً على لائحة بنك أهدافها، تغيير النظام، إن كـان بالفوضى، ام باستنباط أي وسيلة أخرى لن يعدمها حزب الله، الذي بدا جلياً منذ اللحظة الأولى للتعطيل، أنه يسعى الى تنفيذ عملية تفريغ ممنهجة، لا تطال كافة المؤسسات فحسب، إنما تُقَطّع أوصال الشرعية وتُمَهّد لنسف الجمهورية برمتها، إن كان بالنوايا المُبَيَّتة، والتخطيط الدقيق لما أوصل البلد إليه، ام بعملية أمنية مُمكنة، في أي لحظة تتطلب الحسم.. وهذا ما بات الحزب يُسَربه، كإمكانية حل يُنهي الأزمة بالغزو، بعد أن سقطت في الطريق، نظرية الإغتيالات والخطف بالسياسة، وأسلوب التهويل المُتَّبَع منذ احتل شراكة السلطة، فصادر القرار والمواقف بما لا تبرره حجة او ظرف، سوى تردد فريق أجبن عن المواجهة حين كانت ضرورة وحل، وأبدع في حوارات لا تُقَدّم ولا تؤخر، حيث منحها بالنقاط، ما عجزت عنه إيران بالضربة القاضية، هذا لا ينفي دور التعبئة المذهبية والسلاح، وعدم إمكانية طرح أي ملفات مفصلية، تتعلّق بارتكابات ميليشيا مُسَلَّحة تتسلل من المناطق التي تُسَيطر عليها، لتستدرج الفتنة بمَن تكتري خدماتهم في مناطق أخرى، إصرار الإيرانيين على التصعيد في لبنان ليس وليد صدفة، إنما، ما تحوّل الى أولوية إلا في لحظة تهاوٍ، دفعهتم نحوها وتيرة تنامي نفوذ الدب الروسي، والخسائر التي تكبدوها، إن كان الى جانب الأسد، ام على جبهات المنطقة، مروراً بالدوَل التي أججوا الصراعات فيها بواسطة الخلايا والعملاء، وصولاً الى تلك التي شاركوا عسكرياً في خرابها.. إيران اليوم، ورغم المشهد الفاعل الذي تحاول تظهيره، منهكة، وتحاول أكثر من أي يوم مضى، الإمساك بأي ورقة ضاغطة، تُمَكّنها من البقاء ضمن معادلة الأقوياء في ميدان القتال، وبنفس الوقت، العبور بأمان نحو صورة الدولة المقبولة على طاولة العودة الى المجتمع الدولي، لذلك، ”إيران“ الحالية أخطر، فهي ما عادت تملك ما تخسره، اذا ما سقطت في أيٍ من الإمتحانين.
الى أي حد يُمكن لإيران التمادي في التفجير على الساحة اللبنانية؟
لاشك أنها نجحت حتى اللحظة وأن الخرق الذي حققته داخل معسكرات الخصوم ليس بالأمر السهل، ولا كان بالإمكـان تحقيقه من قبل، إنما أن تكتفي حيث وصلت، فهذا غير وارد بعد سلسلة الهزائم التي ألحقها بها بوتين على الساحة السورية، وبعد أن أصبحت المواجهة مفتوحة وعلى المكشوف بين الرياض- وطهران، حتى على المدى المنظور، ما عادت المسألة تتوقف عند حدود فراغ رئاسي، او تعطيل حكومي، فالشلل الذي يُحاول ”حزب الله“ ضخه ضمن ما تبقى من مؤسسات، وبخاصة العسكرية والأمنية، والتعيينات التي تُمَكّنه من مصادرة قراراتها، وبالتالي، تكشف البلد أمنياً في مرحلة أقل ما يُقال فيها أنها الأخطر منذ عقود.. اما تداعيات الحملات المبرمجة التي تستهدف السعودية، فقد باتت أبعد من مجرّد وقف مساعدات، او مصير آلاف العائلة العاملة على أراضيها، او في أيٍ من دوَل مجلس التعاون الخليجي المتضامنة مع المملكة، فالسلطة التي تلتزم مواقف خارجيتها رغم أنها تعلم حجم الأخطاء وما يُمكن أن يترتب عليها، لا تُشَكّل سوى الجزء الأساسي من ديبلوماسية الإنهيار وعن سابق تصوّر وتصميم، إن كان بما يرتكبه وزيرها، ام بالتراخي الذي يُمارسه المجلس مجتمعاً أمام وصاية المرشد، والتطبيع مع الإحتلال الجديد، ولا ينفع الندم حيث لا يعود ينفع الإعتذار من الشعب اللبناني أولاً، وممَن أُهين وفق مؤامرة لا تستهدف في طيّاتها سوى أمن واستقرار البلد، ومعه، المؤسسات التي تحميه حتى إشعار آخر، وهنا، أي قبل الكارثة التي لازالت طهران تسعى الى نفثها، لابد من وقفة رجولة وإن لمرّة واحدة، قد تكون الأخيرة قبل الإنتحار، من قبل أولئك الذين قالوا يوماً، نحن نؤمن بسيادة واستقلال هذا البلد.
لابد من خيار ما بين الأبيض والأسود، فما تحاول إيران ارتكابه بحق لبنان، ويُنَفذ حزب الله مهمته كالجرّاح وفق أوامرها، لن يكون أقل من مجزرة في حق وطن، وفي حق شعبه أينما وُجد، أمناً ولقمة عيش، وما تبقى من كرامة، لابد من خيار ما بين المواجهة والرضوخ، فلا يُمكن الحوار على ما نلتقي ليلاً، والإصطباح بخطاب يطلب منك أن تبتسم فأنت في ”أصفهان“، وأنت تبتسم بكل طيبة خاطر كونك لازلت حياً، والحقيقة أن حياتك ما عاد لها أي قيمة، بعد أن أعاد الإحتلال الجديد مصادرة أنفاسها، وتصنيفها وفق جدول أولوياته ومصالحه.. فالمنظومة التي خلقها حزب الله، وعلى مرّ ما أتحنا له من فرص، إن كان في بيئته الحاضنة، ام في خارجها، ليست سوى عود على بدء الى رتابة المُعتَقَل الكبير، ونهاية لذلك الحلم الذي باشر كل لبناني فينا، بتحقيقه عند أول لحظة انتفاضة، لابد من خيار واضح أيها السادة، فالحلم ما انتهى بعد، ورغم كل تلك الخيبات التي شاركتم في إنجازها، لازال هناك إمكانية أن نُحَرّض سوياً في اتجاه ثورة.