بقلم: ريم عيتاني
في مترو المدينة في بيروت، كان اللقاء بين مازن معروف وبين محبّي كتاباته النثرية والشعرية. وصلَ قبل ربع ساعة من موعد توقيع كتابه الجديد “نكات للمسلحين” (قصص قصيرة، دار رياض الريس)، وعندما سأله الشاب الموكل تنظيم حفل التوقيع عن المكان الذي يفضل معروف أن يجلس فيه، إختار الكاتب الفلسطيني الآيسلندي وصاحب “ملاك على حبل غسيل” (شعر)، زاوية معتمة بعض الشيء. هناك وضعوا له كرسياً وطاولة. وكان الآن قادراً على التمعن في كل الوجوه وكسب الوقت لكي يربط بين بعض من حضروا وبين أسمائهم. فهناك عدد منهم لا يعرفه معروف شخصياً. وآخرون تقتصر معرفته بهم بالفيسبوك. كما إنه حفل التوقيع الأول الذي يقيمه في بيروت منذ عام 2004، أي منذ إصداره كتابه الشعري الثاني “الكاميرا لا تلتقط العصافير”. غير أن كتابه الجديد هذا انزياح عن الشعر هذه المرة، ووطء داخل منطقة معتمة أيضاً، وشبه “محرّمة”، فالقصة القصيرة أنها لا تجذب اليوم اهتماماً نقدياً كبيراً في العالم العربي. يقول معروف للأهرام بأنه يدرك هذه الحقيقة تماماً، ويدرك مدى مرارتها، إلا أنه يأمل في أن تجد القصة القصيرة اهتماماً أكبر في المنطقة العربية. خصوصاً وأن هناك كتاباً كباراً في القصة القصيرة بالعربية. كما أن ثمة إرثاً من الإلمام العالمي بها وهو في تزايد مستمر يوماً بعد يوم، وهي تشهد تطوراً كبيراً في الأشكال والأساليب والصياغات والتجريب لا يعفيها اليوم، مضيفاً أن أسماء كبيرة كرست عبرها ولا تزال تكرس عبر تكريمها وإعادة طبع إنتاجها، مثل مو يان، جاو كسينغجيان، أليس مونرو، يوكو اوغاوا، ج.م.غ. لوكليزيو، إيتالو كالفينو، دانيلو كيش، نادين غورديمار، وحتى أسماء مثل ترومان كابوتيه مثلاً أو فرانز كافكا أو ج. د. سالينجر أو ريموند كارفر وغيرهم.
كتاب “نكات للمسلحين” هو المجموعة القصصية الأولى لمازن معروف، الذي ينتقل عبره من الشعر إلى السرد في أربع عشرة قصة قصيرة كتبها في آيسلندا، وهي قصص تدور أحداثها في إطار فانتازي على تماس دائم مع الواقع، وينهل من شخصيات عرفها معروف خلال سني إقامته كلاجئ فلسطيني في بيروت. وأعاد ترتيب صورتها واهتماماتها الوجودية والإنسانية لتبرز كما لو أنها حبيسة مفارقة طويلة يمتزج فيها الألم بالنادرة.
من الكتاب:
“حدث الأمر كله في اليوم الخامس لاتخاذنا السينما ملجأً. كان الطعام قد نفد تقريباً، ووجباتنا اقتصرت على أقراص الجبنة الصفراء المثلثة. كانت ماما تُخرِج من بطن الدبدوب الذي حملتْه أختي معها قرص جبنة عند الساعة الواحدة ظهراً وتقسمه نصفين. آكل أنا نصفه وأختي تأكل نصفه الآخر، خافضَين رأسينا تحت مقاعد السينما المُخمل، كي لا يرانا الأطفال الآخرون، الجوعى مثلنا. لم نقل لأحد إنّ بطن الدبدوب كان فيه سبعة أقراص جبنة.
في الثامنة مساءً، كانت ماما تُخرِج من بطن الدبدوب قرصَ جبنة آخر، فنأكله أنا وأختي بنفس الطريقة ثم ننام. عشرات العائلات لجأتْ إلى السينما، لكون السينما في مستوى الطابق الثالث تحت الأرض.
في اليوم الأول، توزعت العائلات على المقاعد، لكنّ القصف كان يشتدّ في كل يوم، وكان الناس ينزلون قليلاً في كل مرة من المقاعد العلوية إلى أسفل. وعندما قصفت مجنزرة الجيش المحتل حجرة بروجكتور الأفلام التي في أعلى الصالة، أصبح معظم العائلات محتشداً على الخشبة ووراء الستارة”.
(من قصة “سينما”)