تم اغتيال اكثر من خمسين قائد من الاحرار في اجتماع ضم مجلس شوراهم، والعديدي من القادة الميدانيين.
عندما يتم قتل خمسين قيادة من دولة وليس تنظيم فإن ذلك يربكها، وفي التنظيمات قد ينهيها. ولنا هنا عبرة في لواء التوحيد الذي انتهى عمليا مع اغتيال القائد الفذ الناظم لحركته، وإن كان لواء التوحيد تنظيم لا مؤسسي، بينما كانت الاحرار تتجه نحو المأسسة الكاملة، وهذا ما جعلها تبدو متماسكة الى حد ما، بعد اغتيال كل المفكرين، والمخططين فيها.
لكن ظهرت اشارات من حراك حركة احرار الشام، تنبئ بأن هناك بين الجدران، غير الواقع الظاهر خارج تلك الاسوار. وهناك مظهران يشرحان ذلك:
المظهر الاول: وهو معركة زئير الاحرار والتي بدأت بقوة، ثم ما لبثت ان توقفت فجأة، دون توضيحات مقنعة عن اسباب الايقاف بعد كل ذلك الحشد الاعلامي، والتعبوي.
واما المظهر الثاني: فهو بيان المكتب السياسي للحركة الذي يدعو للمصالحة بين النصرة وجمال معروف، وكذلك الى معاقبة من شارك النصرة في انهائها لحالة الفوضى العسكرية. ثم صدر تصريح على صفحة القيادي خالد ابو أنس يعلن انها مبادرة فردية ولا تتبناها الحركة وتم سحبها.
وحرصا على مستقبل الثورة، ومن باب القياس في التاريخ، وتبعا لما ورد في النقطتين اعلاه، والذي لا شك انه اشارات لما هو اكبر واوسع يجري تحت السطح، فإن الحركة مقبلة بلا شك على حدوث انقسامات في جسمها، ولعل ذلك ما ادى بتركيا الى سحب الرهان عليها، والتعويل على النصرة في الشمال الغربي لسوريا.
لقد تم ضرب الحركة من قبل الغرب او النظام، كي لا يبقى في الساحة سوى تنظيم الدولة، وجبهة النصرة، كي يتكلم كل العالم عن انه هناك حرب بين نظام بشار والقاعدة.
ولا يعني ذلك بأي حال ان تنظيم الدولة او النصرة هما السبب في ذلك، بل هو السعي الغربي لذلك، قبل سعي النظام، ولعل خير شاهد هو الحصار المطبق ماليا وعسكريا على تشكيلات الجيش الحر، من دول الجوار، بل وسلبه اي قرار الا تحت بند غرف الموك، والتي تصدر اوامرها بالحركة ضمن خطوط لا تؤدي سوى الى ابقاء النظام، لكن يجب قبل ذلك القضاء تماما على اي روح قتالية او امل لدى تكتلات الثورة وحاضنتها الشعبية.
فقضية حصر المعركة بين النظام، والقاعدة هي مطلب عالمي لخنق الثورة، وقد تم سوق الثورة إليه عنوة، ولا طريق امام السنة ان ارادوا الخروج من سيطرة الاحذية سوى التحالف مع ذلك الخط، لان العالم يريد سحب اية سيطرة للسنة على نفاصل اية دولة في المنطقة، حفاظا على وجود اسرائيل ومصالحه في المنطقة من بعد استراتيجي (على المدى الطويل).
وكي نعود الى الموضوع الاصلي للمقالة، فإن الهدف من ضرب القادة كان انهاء الحركة، وهي في طريقها الى ذلك ان لم تستدرك الامور.
لذلك قد يكون الحل الافضل امام الاحرار، هو الانضمام الى جبهة النصرة، ليس من اجل التماسك والوحدة فقط بل من اجل ضمان موقف تركي قوي حقيقي مع الثورة.
فتركيا دولة، وقد بدأت حالة عدم الاستقرار على حدودها الجنوبية تسبب لها مشاكل حقيقية، وقد تستنزف شيئا من مواردها، نتيجة حالة الاستنفار العسكري والامني الدائم على اراضيها.
لذلك قد تكون تركيا تريد انهاء الحالة السورية بأية طريقة مع ضمان الا يكون بشار ضمن اي حل قادم، كي لا يكون ذلك عقبة مستقبلية لتركيا مع سوريا. وهي الان تراهن على النصرة، وتقاطع المصالح مع المجتمع الدولي.
ولكن، كي تستمر في رهانها، لا بد للقوى على الارض ان تثبت انه يمكن لتركيا ان تعتمد على قوة سنية لها القدرة على السيطرة والتخطيط. ولو تم اضافة قوة الاحرار الى النصرة، فإنه يمكن تشكيل قوة قادرة حقيقية على الارض، يمكن لها ان تؤثر بشكل فاعل، وعندها يمكن لتركيا ان ترى انه هناك افق وقوة لأهل السنة يمكن ان تتعامل معها بحرفية.
اذا لم تتم تلك الوحدة، فإن ذلك يعني مزيدا من التشرذم، ولا يستبعد ان تبحث تركيا بعد ذلك عن اي شريك، ولو كان من الطائفة النصيرية، مع ضمن نوع من المحاصصة مع اهل السنة، كي تنسق معه لانهاء بؤرة التوتر القلقة الشاغلة في جنوبها.
اخيرا، وحدة النصرة، مع الاحرار، وغيرها من الفصائل، لم تعد مطلبا، بل اصبحت حاجة مفروضة يتوقف عليها مستقبل الثورة، لانه لا بد للثورة من دولة قادرة يمكن ان تنسق معها، او تقاطع مصالحها معها، وليس هناك سوى تركيا كدولة تملك تلك الميزات، وفي المقابل لا يمكن لتركيا ان تراهن على وهم، ل ستراهن فقط على قوة، تثبت بالواقع العملي على الارض انها تخطط، وتنتصر، وتسيطر.