لم تطلب امريكا والمجتمع الغربي من تركيا التدخل قبل الان، بل ولم يصغوا لنداءاتها المتعددة، حول وجوب دعم الثورة، والتخلي عن العديد من الخطوط الحمراء، بل ولقد طالبت تركيا بمناطق عازلة منذ بدايات الثورة، ولم تجد اذانا صاغية، بل كان كل ما يجري هو غض البصر عن تدخل كل محاور ايران، والتلطي بالفيتو الروسي، ثم، وعندما تهدد النظام السياسي في العراق بشكل حقيقي، ثم بدأ نظام بشار يتلقى الضربات المؤلمة، وثبت قصور، وعدم قدرة المحور المجوسي في الانتصار على شتات اهل السنة في الشام والعراق، هنا تذكر العالم المناطق العازلة، وعرف مجددا انه لا يفل الحديد إلا الحديد، فأراد ان تكون تركيا هي اليد السنية التي تضرب وتدير عملية افشال الحراك السني في اسقاط النظام النصيري.
لكن تركيا “دولة”، وليست دولة القائد الخالد، كما انها ليست مزرعة الاجهزة الامنية التي لا يرى الرئيس إلا ما ترى. ومن هنا فقد يكون قرارها الاشتراك مع قوات التحالف يكون ضمن الدائرة الاتية –وقد لا يكون-:
— يهم تركيا بالدرجة الاولى هو استقرارها الداخلي، ومشكلتها الكردية، لذا فهي لا تحبذ مليشيات كردية مسلحة على حدودها، بغض النظر عن اية تعليلات او وصف لإهداف او مبررات لعمل او ضرورات وجود تلك الميشيات، لذا فهي لا تمانع في خسارة تلك المليشيات لمعركتها وسلاحها، بل وقد تكون تفضل ان يكون ذلك بيد غيرها –تنظيم الدولة-، كي لا ينسب إليها قتال الكرد.
— تفضل تركيا ان تكون هزيمة الاحزاب الكردية بأقل قدر من المذابح، او الدماء، كي لا تثير الوجود الكردي على ارضها، وكي لا تنتشر فيديوهات قد تنشر ذلك على انه ذبح او قتل للمدنيين. ومن هنا فقد يكون هناك نوع من التنسيق مع تنظيم الدولة، على ان تكون سيطرة تنظيم الدولة هي سيطرة بلا دماء، كي لا يحرج ذلك تركيا.
— لا يمكن لتركيا ان تدخل الان في اية معركة ضمن الشريط الكردي الجنوبي لحدودها، كونها ستصبح في حالة استنزاف بين سندان قوات الدولة الاسلامية، ومطرقة الاحزاب الكردية، التي ستنقلب لا محالة ضد القوات التركية، اذا تأكدت ان هناك هزيمة لقوات الدولة الاسلامية.
— الحديث التركي يتم الان عن فرض منطقة عازلة، وبدعم من قواتها على الارض، وهذا لن يتم قبل ان تسيطر الدولة الاسلامية، ويتم هزيمة المليشيات الكردية، وهروبها الى الداخل الكردي معزولة السلاح، ثم بعدها يمكن ان يحدث ذلك التدخل.
— معنى المنطقة العازلة بقوات تركيا، انه سيطرة عسكرية وامنية على حدود بامتداد حوالي 200 كيلو متر، وبعمق 10 الى 15 كيلو متر على الاقل، بل وتتحدث تسريبات انه هناك اتفاق ان تنتشر القوات التركية لتسيطر على المنطقة الممتدة من الرقة الى دير الزور.
— المنطقة العازلة، وحاجة قوات التحالف لقوات محترفة برية، بقيادة مأمونة الجانب، وليس قيادة تكتلات ثورية، قد يغري القوات التركية بالسيطرة على المزيد، ولن تلقى تلك القوات مقاومة من البيئة الشعبية، بل ستنظر إليها كقوات محترفة قادرة –فيما بعد- على التخلص من بشار.
— الغرب والاستخبارات يريدون التخلص من التكتلات الثورية، وخطورة خروج العراق والشام عن السياسة الدولية، وفي المقابل تركيا دولة قادرة، بقيادة علمية وليست دولة اجهزة امنية فاشلة، لذلك فقد ترى في الشام عمقا استراتيجيا لها، ومعززا لنفوذها في المنطقة، وقد لا تخرج قبل ضمان –على الاقل- رئيس موال تماما لها.
— ايران، وعندما ترى نتائج التدخل التركي على الارض، حقيقة واقعة، ستفكر مليا، وستضع كل ثقلها في العراق، لانها لن تدخل معركة مع تركيا، ستدمر كل من ايران وتركيا معا، فلكل بلد منهما تركيبة مذهبية وإثنية اكثر هشاشة كثيرا من سوريا.
— لذلك فقد يكون متوقعا ان يتم ارضاء كل من ايران وتركيا، وذلك بمحاولة عزل تنظيم الدولة في العراق، عنه في الشام، لتصبح ايران تقاتل بشكل عسكري فعلي في العراق، حيث يتم اقتطاع اجزاء منه وضمها لايران، كما سيتم اقتطاع اجزاء من سوريا وضمها الى تركيا كإرضاء لها، ومكافأة لتدخلها في محاربة تشكل الكيانات الجديدة في الشام والعراق.
— سيتم ابقاء حكومة شيعية ضعيفة موالية لايران في بغداد، مقابل حكومة سنية ضعيفة موالية لتركيا في سوريا.
— سيكون الجيش السوري القادم، كحال الجيش العراقي الحالي، جيش بلا قوة جوية مؤثرة، جيش مشاة، وقوات امنية، وكذلك قوات شرطة محلية فقط. مما يضمن ابقاء الشام والعراق في حالة ضعف، وتبعية كاملة لدول تبحث عن مصالحها فقط ضمن النظام الدولي.
— سيكون الرهان القوى الدولية، هو على انعاش حالة صراع بين المحورين التركي السني من جانب، والايراني الصفوي من جانب آخر، في حالة تؤدي الى استنزاف كلا المحورين تماما، مع ابقاء لبنان كما هو، ليكون فتيل نائم يمكن تحريكه كلما اقتضت الحاجة ذلك.
قد يكون ما تم ذكره، هو مآلات يتم النظر إليها من جانب قوات التحالف، وتركيا، وايران، لكن كل ذلك مرهون بقدرة تنظيمات الدولة والنصرة، على دخول اي من العاصمتين سواء بغداد او دمشق، او خروج الوضع في لبنان عن السيطرة، حيث عندها تكون قد تعقدت، وتشابكت الخيوط بشكل كبير.
الاهم ان ما يجري قد دخل مرحلة لا يعلم منتهاها إلا الله، حيث ان مناط الخرائط، والتحولات التي تحصل وبتسارع عجيب على الارض، قد يخرج عن كل سيطرة، لان الواقع على الارض هو فقط الذي يحدد اتجاه الامور، واي كلام عن وعود للثورة هو وهم، لان الثورات وحدود الدول، والانتصارات، لا تحددها سوى نتائح القوة على الارض، والتي يتم تأكيدها في كرنفالات انتصار يسمونها مفاوضات ينتج عنها اتفاقيات ترسخ الحقائق الثابتة على الارض.