وداعاً أرض العراق – بقلم : مهندس عراقي مسيحي مهجر

بقلم : مهندس عراقي مسيحي مهجر

بقلب دامي وعيون دامعة أقول أنا وكل مسيحيي العراق، وداعاً أرض مولدي وبلاد أجدادي ومرتع طفولتي وصباي، تركنا بلدنا بعد أن فرض علينا المجرمون الداعشيون أن نستبدل دين آباءنا وأجدادنا الذي آمنّا به قبل 2000 سنة بدين أبو بكر البغدادي خليفة المسلمين مجرم العصر وقاطع الرقاب … أو ندفع الجزية عن يد صاغرين أذلاء ونحن في موطننا .. ونحن من بنى حضارته التأريخية منذ 7000 سنة ولحد الآن ، أو نترك وطن آباءنا وأجدادنا الى غير رجعه بعد أن يتم سلبنا كل ممتلكاتنا ومدخرات عمرنا .




فضلنا أن نترك لداعش وعصاباتها كل ما نملك .. حفاضاً على ديننا وكرامتنا وشرف نساءنا وبناتنا .

تركنا موطننا بحسرة وقلب دام. وها نحن نودع ديارنا وأهلنا وإخوتنا المسلمين الذين عشنا معهم طوال عمرنا بمحبة وسلام، وداعاً نهائياً بعد أن تم إبعادنا قسراً وأصبحنا لاجئين في بلاد الغربة والمنافي مجبرين ومكرهين

وداعا يا مدينة البصرة التي ولدت بين أحضانها، وداعاً بغـداد التي عشت في ربوعها، ودرست في جامعاتها، ومشيت في شوارعها، وداعاً المصانع والمعامل والأبنية التي صممتها بقلمي وفكري وعلومي الهندسية وبنيتها بذراعي

وداعا شارع أبي نؤاس والكرادة وتل محمد وبغداد الجديدة .وداعاً يا قبور أجدانا في البصرة وبغداد والموصل، لقد طرَدَنا داعش من موطننا .. ومن حمل راية لا إله إلاّ الله السوداء، إعتبرونا غرباء ونحن أصل العراق ومنبته .
تركنا نحن المسيحيون وطن الآباء والأجداد دون رغبتنا، غادر أهلنا من الموصل وسهل نينوى مبعدين من ديارهم بعد أن أسسوا حضارتها وحرثوا أرضها بعرقهم وزرعوها بدمائهم وإحتضن ثراها أجداث موتاهم منذ آلاف السنين

شكراً لكم أصدقاءنا وأحباءنا المسلمين الذين عشنا معهم سنين العمر كله، جيراننا في المسكن وأصدقاءنا .. في المدرسة وزملاء العمل
كنا نأمل منكم ان تقفوا معنا في يوم محنتنا، وتُظهروا شيئاً من الوفاء للعشرة والجيرة والصداقة، كنا نعتقد إنكم ستهبون دفاعاً عن إخوتكم ومواطنيكم المسيحيين من وحوش داعش المفترسة وستشهروا سلاحكم للدفاع عن إخوتكم في المواطنة والجيرة والعشرة، أو على الأقل إخوتكم في الإنسانية ..!

لقد إعتبرناكم ولا زلنا أُخوة لنا، لكن للأسف خذلتمونا، وبقيتم تتفرجون صامتين على عوائلنا، نساءنا وأطفالنا وشيوخنا يطردون من بيوتهم وتُسلب ممتلكاتهم ومدخراتهم ويذهبون سيراً على الأقدام الى محافضات أُخرى طلباً للمأوى والأمان .

والبعض منكم للأسف من ساهم مع داعش في تسليبنا في الموصل
ستذكرون يوما كان لكم أصدقاء مسيحيون، قوم مسالمون يحملون الحب في قلوبهم والإبتسامة على شفاههم، ساهموا معكم في بناء حضارة العراق كما كان أجدادهم وإختلطت دماء شهدائهم مع شهداءكم في الدفاع عن أرض العراق

وداعا عراق أجدادي، وداعاً حمورابي وسنحاريب، وداعاً آشور بانيبال ونبوخذنصر، فسنراكم في متاحف برلين وباريس ولندن وليس في نينوى والنمرود وبابل واور . !

وداعاً بصرة النخيل وميسان دجلة، سأحكي لأولادي وأحفادي قصة أيام خدمتي في صيانة مشاريع ري ميسان وفي قلعة صالح، وقصة حملي السلاح لحراسة أُنبوب نفط الرميلة أيام حرب السنوات الثمان
سأذكر لهم تلك السنين التي قضيتها .. في إعداد التصاميم الهندسية وبناء أكبر معمل لتصليح المعدات الثقيلة في العراق، وسأقول لهم عن أيام وسنوات العمل .. في صيانة وبناء محطات ضخ المياه الكبيرة في محافظات العراق المنتشرة من الشمال الى الجنوب من بغداد، وكان لي ذكريات جميلة في معمل ألبان تكريت وفي محطة ضخ جبل مكحول وشبكات الكهرباء التي أسستها في الكرمة والفلوجة وحديثة وبروانة وآلوس، ذكريات لا تنسى في كركوك والموصل، وعملي في صيانة مشروع(ناظم نهر سعد) ومشروع ري الكسارة في ناحية العزير في ميسان التي كدت أفقد فيها حياتي بقذيفة مدفع إيراني سقطت بقربي وأنا أُصلح ما خربته القذائف الإيرانية من التأسيسات الكهربائية للمشروع تحت القصف

وداعاً كنائسنا، وداعاً مدراسنا, وداعاً جامعة بغداد والتكنلوجيا التي تخرجت فيها …. فلا أمل لي بالعودة الى شوارع بغداد والبصرة والموصل بعد الآن .
وداعاً قبور أبي وأُمي وإخوالي وأعمامي وأجدادي، وداعاً شهداء الوطن أبناء شقيقاتي نائل ومؤيد وأُسامة يا من ضحيتم بحياتكم دفاعاً عن حدود الوطن وقدسية ترابه

لن أستطع أن أزوركم وأضع باقة زهور على تلك القبورالتي إختلطت فيها عظام أهلي بثرى بلادي .. سيبقى العراق أمانة عندكم ..!

غادرت وطني العراق لأني كافر بنظر مسلمي داعش ,ولا أستحق أن أعيش في موطن أجدادي أن لم أُغير ديني أو أدفع الجزية للمجرمين واللصوص وأنا صاغر ذليل في بلدي، أو أن أرتضي بقطع راسي بسيف أبو بكر البغدادي .. وهو يكبّر قائلاً : الله اكبر ، كي يتقرب الى صنمه الأكبر بعد أن يتوضأ بدمي ودم أهلي .

وداعاً يا عراق الرافدين، وسأدعوا لكم يا إخوتي الباقين في الوطن الجريح أن يحل الله السلام بينكم .. وأن لا تقتلوا بعضكم بعضاً بسبب الدين والمذهب .. فالدين لله والوطن للجميع .

تكاتفوا وإتحدوا لطرد الغرباء عن وطننا، وإلاّ فإنكم ستلاقون يوماً ما لاقيناه قبلكم .

لن أراك يا وطني ويا بغداد سوى على شاشات التلفزيون ومن بعيد …!
ربما العيش في المنفى بكرامة وأمان أفضل من العيش في وطن بلا كرامة ودمي مستباح في كل لحظة بين أنياب الذئاب