كتالونيا ـ الدولة القادمة في اوروبا – جــودت هوشـيار

اقليم كتالونيا– الواقع في شمال شرق اسبانيا – يمر بلحظة تأريخية فارقة ، فقد أقر برلمان كتالونيا في 23 يناير/ كانون الثاني 2013 وثيقة الاستقلال ، ونصت الوثيقة على « تقرير المصير من خلال استشارة سكان كتالونيا » عن طريق اجراء استفتاء بين سكان الأقليم ، في التاسع من نوفمبر / تشرين الثاني من عام 2014. وسيكون لاستقلال كاتالونيا تاثير بعيد المدى على الأتحاد الأوروبي بأسره .

يعارض حزب المحافظين الحاكم في اسبانيا ، بقيادة رئيس الوزراء ( ماريانو راخوي ) والحزب الاشتراكي المعارض، إجراء الاستفتاء. ولكن كل محاولات الحكومة الأتحادية في مدريد والبرلمان الأسباني فشلت في تغيير موقف الحكومة الكتالونية وعرقلة اجراء الأستفتاء ، الذي يعده قادة وشعب كتالونيا ،الطريق السليم والمشروع لتقرير المصير واعلان الأستقلال على غرار ما تم في كوسوفو وسلوفانيا ، ودول بحر البلطيق ودول اوروبية أخرى ، كما ان اسكوتلندة عازمة على اجراء استفتاء مماثل في 18 سبتمبر / أيلول من هذا العام حول استقلالها عن المملكة المتحدة.




تبلغ مساحة كتالونيا حوالي 32 ألف كم مربع وتعداد سكانها 5 .7 مليون نسمة ويعتبر سادس أكبر منطقة من حيث المساحة في إسبانيا وتتكون من أربع مقاطعات.. أكبرها وأشهرها برشلونة والتي تمثل مدينتها عاصمة الإقليم. ويزيد عدد سكانها عن الخمسة ملايين نسمة.

اللغة الكتالونية هي اللغة الرسمية في الأقليم بالإضافة إلى اللغة الإسبانية ، التي هي لغة إسبانيا. وينتشر استخدام اللغة الكتالونية في عدد من المقاطعات الأسبانية الأخرى ( جزر البليار ، بلنسية ، الجزء الشرقي من منطقة أراغون ) وأجزاء من بعض الدول الأوروبية ( أندورا، حيث تعتبر اللغة الكتالانية اللغة الرسمية للدولة ، البرانيس الشرقية في فرنسا ، مدينة ألغيرو في إيطاليا .) يبلغ مجموع الناطقين بهذه اللغة 11.5 مليون نسمة.

برلمان كتالونيا يتألف من 135 نائباً يمثلون المقاطعات الأربع التي يتشكل منها الأقليم .

في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2012 جرت انتخابات البرلمان الكتالوني حيث حصل ( ائتلاف التقارب والاتحاد ) على أكبر عدد مقاعد يليه ( حزب اليسار الجمهوري الكتالاني ) الذي دخل في تحالف مع «التقارب والاتحاد» على أن يدعم سياسته الانفصالية عن إسبانيا. حصلت الأحزاب المؤيدة لتقرير المصير والأستقلال على اكثر من ثلثي عدد مقاعد البرلمان .

لمحة تأريخية عن القضية الكتالونية :

فقدت امارة كتالونيا استقلالها السياسي في عام 1714 بعد ضمها قسراً الى مملكة الملك الأسباني فيليب الخامس ، ومنذ ذلك الحين لم يتوقف شعب كتالونيا من المطالبة بالأستقلال عن اسبانيا .

وقد اتيحت لكتالونيا فرصة تأريخية للأنفصال عن المملكة في عام 1871 ، ولكن الأخيرة تمكنت من الأحتفاظ بكتلونيا وابقاءها جزءأ منها بعد مفاوضات طويلة ووعود بتلبية مطالب أهل الأقليم .

مرت كتالونيا بأوقات عصيبة في الثلاثينات من القرن الماضي ، عندما تحالفت مع الحكومة الجمهورية المركزية وخاضت قواتهما حربا ضروس ضد جيش فرانكو . وبعد هزيمة القوات الجمهورية والكتالونية في الحرب الأهلية ، مارس النظام الدكتاتوري الفرانكوي أبشع أنواع الأضطهاد و القمع الجماعي ضد أحرار كتالونيا والتضييق على الثقافة الكتالونية ومنع استخدام اللغة الكتالونية كلغة رسمية أوتدريسها في المدارس وانكار الهوية الكتالونية المتميزة . وأدى هذه الأجراءات التعسفية الى انتشار وتصاعد النزعة الأستقلالية في الأقليم .وعلى مدى أكثر من أربعة عقود لم يتوقف المناضلون الكتالونيون عن المطالبة بالأستقلال ، سواء في داخل اسبانيا او في المحافل الدولية .

كتالونيا بعد سقوط النظام الدكتاتوري :

في عام 1979 أثمر نضال الشعب الكتلوني عن الحصول على الحكم الذاتي ، الأمر الذي أدى تلقائيا إلى الاعتراف الرسمي بهذا الشعب ولغته وثقافته وهويته المتميزة .

يتمتع اقليم كتالونيا بصلاحيات واسعة وأشكال من الممارسة الإستقلالية عن الحكومة المركزية تتمثل في ما يلي :

– تشكيل حكومة وبرلمان كتالونيا.

– تشكيل قوى أمن كتالونية خاصة.

– إدارة الصحة والتعليم والثقافة والبيئة والمواصلات وغيرها في الإقليم.

– مشاركة الحكومة المركزية في صنع القرارات.

– الأعتراف بالهوية الكتالونية كأمة مستقلة لها علمها الخاص ونشيدها الوطني

– الحصول على الأستقلال الأقتصادي في عام 2006

ومع ذلك لم ينس شعب كتالونيا حلمه الكبير في تأسيس دولته المستقلة
كل خطوة نحو الأستقلال وكل نصر صغير يحرزه الشعب الكتلوني يعزز رغبته في الأنفصال عن أسبانيا وفي الوقت نفسه ، يزيد التوتر في العلاقة بين برشلونة ومدريد .

واليوم بات حلم الكتلونيين بتأسيس دولتهم المستقلة أقرب الى الواقع من أي وقت مضى ولم تبق سوىالخطوة الأخيرة وهي اجراء الأستفتاء ، الذي يمكن التكهن بنتائجه مسبقا والتي تتمثل في موافقة الأغلبية الساحقة من الكتلونيين على الأنفصال عن اسبانيا .

في عامي 2009 ، 2010 جرى في الأقليم أستفتاء الأستقلال مرتين بشكل غير رسمي ، وقد صوت أكثر من 90% من سكان الأقليم في كليهما لصالح تأسيس دولة كتلونيا المستقلة .

كما شهدت كتلونيا قبل حوالي سنتين تظاهرات حاشدة تحت شعار ” كتالونيا ـ الدولة القادمة في اوروبا ” شارك فيها نحو مليون ونصف المليون مواطن في شوارع برشلونة