أين وصلت الثورة السورية؟ – عبد الغني محمد المصري

احد الاخوة علّق على صفحتي الفيسبوكية بالآتي:”اخي عبدالغني كلامك حلو ومقالاتك روعة بس كأنه بكفينا مكابرة ورفع معنويات ؟ يعني اتدمرت حمص وراح خيرة شبابا واتهجرت ميات الوف وبالأخير انسحبت الكتايب “تكتيكيا” ايه؟ وكل هالشي نصر!!
بكفينا عنتريات وهوبرة كرمال الله”.

عبارات قيلت في لحظات ألم، وشعور بالحرقة على إخلاء حمص العدية من اسودها الاسيرة بين الاحياء، والحرّة المحلقة بشجاعتها ورجولتها وإقدامها. فهل حقا هناك رفع معنويات و “هوبرة”، وابتعاد عن الواقع؟.




قبل ان اجيب عن السؤال لا بد من جملة سريعة وهي: إن خروج اكثر من ألفي مقاتل من مدينة حمص العدية، وانتقالهم الى مطارح القتال في الاجواء، افضل كثيرا للثورة من بقائهم مأسورين، ومقيدي الفعل في مدينة الابطال حمص العدية، وسيثبت قادم الايام الكثير، وسنرى، ونسمع بإذن الله. اما بالسنبة للسؤال الاصلي، فقد يكون هناك الاتي:

— الانتصار، او الخسارة، يعتمد على النظر الى طبيعة المعركة.

— معركة الشعب مع النظام، حولها النظام وحلفه الى وجود، واختاروا لها عصبا طائفيا، منذ اول تصريح لبثينة شعبان حول شيخ سني وآخر نصيري، ثم كفريات ضباطهم، ثم تلاها البحث عن حذاء زينب المزعومة او سروالها في القصير وغيرها من قبل حالش وذيولها، ولفارس المجوسية تصريحات كثيرة تصب في نفس المجرى.

— فطبيعة المعركة هي معركة شعب سلاحه بسيطة او متوسط، ومحاصر حيث يمنع عنه كل العالم الصواريخ المضادة للطيران، في مواجهة حلف بربري غاشم، مسلح بالطيران، والصواريخ، ومقدرات دول، يهدف الى قمع الثورة، والتهجير، فالاستيطان، لتغيير ديمغرافية الشام بأسرها.

— ومعركة بتلك الطبيعة لا مجال فيها امام الثورة سوى حرب العصابات، وليس اسلوب الحرب التقليدية، ومع ذلك فالثورة انتصرت في مراحل كثيرة على النظام حتى بفمهوم الحرب التقليدية، ولو تم تحييد سلاح طيران النظام، لسقط هو وحلفه منذ اشهر عدة.

— ضمن مفهوم حرب العصابات، لقد استطاعت الثورة تكوين تشيكلات وتكتلات فاعلة على مستوى الشام.

— لم تعد الثورة كتائب متناثرة، تخوض معارك متفرقة، بل غدت التكتلات بجيش منتشر، لذا اصبحنا نرى ابن حوران يقاتل في القلمون، وابن الدير في حلب، وابن حلب في الساحل، فهناك جيش من كل الشام ينتقل افراده حسب مقتضيات المعركة.

— لقد تقدم كثيرا الفعل الاستخباراتي للثورة، وقد ظهر ذلك بشكل كبير في قتل نخب حالش في ريف دمشق، وكذلك في معارك حلب والساحل.

— لقد انتقل الفعل العسكري نقلة نوعية، حيث طبق مفهوم حرب العصابات بكل حرفية في معركة يبرود على جبهة تمتد عشرات الكبلو مترات بخمسائة مقاتل فقط، لمدة شهر كامل، وتكبيد العدو خسائر فادحة في آلياته ورجاله، في حين لم يخسر الشباب سوى بضعة رجال.

— الثورة باتت تصنع القاذفات الصاروخية، وكذلك ذخيرتها، ولن يستغرب المرء اذا رأى قريبا صواريخ من نوع مختلف قد تقضي على التفوق الجوي للعصابات المجوسية.

— لقد بدأت الثورة تحترف حرب الانفاق، التي سبقهم بها الفيتناميون، وكذلك القساميون، إلا ان اتساع ارض المعركة، والتقدم التكنولوجي قد ينقل حرب الانفاق الى افق جديدة، وابتكارات ستبهر العالم لنجاعتها، وبعد اثرها النفسي والبشري، والمادي ضد العدو، حيث قد تعادل فعل سلاح الطيران في اثره، مع ميزة المفاجأة الصاعقة غير المتوقعة كما هو الحال في الطيران.

— مدة الثورة، وحتى الان ثلاث سنوات ليست شيئا في مفهوم التحرر والحروب الشعبية، ففي فيتنام، حارب الفيتناميون اولا الفرنسيين، ثم حاربوا بعدهم الامريكيين، وكذا الثورة الفرنسية، والحرب الشعبية الصينية، وثورة الشعب الجزائري ضد فرنسا، كلها ثورات استمرت سنوات طويلة حتى توصلت الى تحقيق هدفها الاول الذي كانت تسعى إليه.

— فالثورة السورية، حقيقة تخوض حرب تحرر من احتلال مجوسي يهدف الى السيطرة على المنطقة كي تغدو منطقة مقسمة بين نفوذ يهودي وآخر فارسي.

والثورة كلما تقدم بها الوقت كلما غدت اكثر تنظيما، وضرباتها اكثر بأسا، وأشد ضراوة وإيلاما للعدو. فالثورة وضمن مفهوم حرب البرغوث ضد الكلب، تحقق تقدما نوعيا في اكثر من مجال.

وحرب العصابات اساسها الصمود، والمعنويات، والمدد البشري، واستنزاف العدو، والثورة تحافظ على النجاح في كل الامور المذكورة.

واساس اية معركة هي المعنويات والايمان بالنصر. والمتابع للثورة يرى ان معنويات القادة والمجاهدين عالية جدا، لانهم مؤمنين بالله اولا، ثم مؤمنين بالنصر القادم لا محالة.
وبما ان عامل المعنويات والثقة بالنصر، وحسن الادارة والتخطيط، في الاداء العسكري، والامني، والاعلامي موجود فالثورة بخير، وهي  في اعلى درجات الفعل حسب مفاهيم الحرب الثورية.

اخيرا الثورة هي من تتقدم، والنظام هو من يتراجع، حيث بات حتى في مفاوضات الثورة، يختفي وتفاوض عنه ورسيا او طهران، وما تصريحات طهران وقادة حرسها الثوري كل عدة ايام عن اهمية الحرب في سوريا، واعتبارها بأهمية الحرب العراقية الايرانية، إلا دليل مدى تقديرهم لقوة الثورة، وادراكهم لشراسة العدو، وصلابته، وايمانه، فهي تصريحات تحسب للثورة، وتحسب على النظام حيث تبين ضعفه الشديد، وانه لم يعد اكثر من فزاعة بأيد وارجل مرتزقة طائفية آتية من وراء الحدود سواء من طهران او الضاحية او العراق، ومع ذلك فنار المجوس قد انطفأت ولن تعود، لن تعود.