لم يَسبِق لسوريا أن غرقت في الغموض كما هي اليوم. المعارضة ضعيفة ومشرذَمة، والنظام يتداعى، والآتي أعظم… فكيف لـ«حزب الله» أن يُفرِج عن الحكومة والإنتخابات والتعيينات وسواها، قبل أن «يؤمِّن رأسه»؟
عند بداية الصراع في سوريا، طُرِحَ السؤال الآتي: ماذا سيفعل "حزب الله" إذا سقط النظام السوري؟ وكان الجواب: سيلعب "صولد" دفاعاً عن النظام… ما دام قائماً. ولكن ما أن يشعر "الحزب" بأن النظام على وشك السقوط حتى يستعمل أوراق الإحتياط اللبنانية. يستعين بالوسطيين، والرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط خصوصاً، للعودة إلى الحضانة اللبنانية. فـ"الحزب" يمتلك من الحكمة مقداراً عالياً. وهو لن ينتحر بسقوط النظام في سوريا. وماذا يستفيد المحور الإيراني إذا خسر الحلفاء الأقوياء في لبنان بعد خسارتهم في سوريا؟.
اليوم، تفرض السيناريوهات السورية المحتملة سؤالاً آخر: ماذا سيفعل "الحزب" إذا ما ترسّخت مناطق النفوذ المتقاتلة في سوريا، أي إذا ضعُفَ النظام وإنحسر إلى بقعة يحتمي فيها، فيما المعارضة مفكّكة وعاجزة عن حسم المعركة تماماً.
هذا السؤال يزداد إلحاحاً. فالنظام لم يفقد تماسك الجيش. والعاصمة ليست على وشك السقوط. والروس والإيرانيون وآخرون مستنفرون إلى الحدّ الأقصى سياسياً وعسكرياً. لكن هذا النظام يترنّح، وطموحُه إلى إستعادة سوريا بكاملها يتضاءل. وهو يحاول الإحتفاظ ببعض المعابر وببقعة يتحصّن فيها. ومن هنا الأهمية الاستراتيجية للمعارك على الخط الممتدّ من جرود الهرمل – عكار إلى حمص فحلب.
أما المعارضة فليست أفضل. إنها تتقدم عسكرياً، وسلاحها يزداد كمّاً ونوعاً. وهي حققت إنتصاراً سياسياً بالجلوس في مقعد الجامعة العربية، والسفارة في قطر، لكنها تعاني من التفكك. وهي ضائعة بين ثلاثة إتجاهات متباينة: معارضة الداخل، ومعارضة "معتدلة" تدعمها السعودية والأردن ويمثلها أحمد معاذ الخطيب، وثالثة "متطرّفة" تدعمها قطر وتركيا، ركيزتها "الإخوان المسلمون".
وفي الخلاصة: هناك ملامح إنهيار للجميع، وإنهيار لسوريا عسكرياً وسياسياً وإقتصادياً، وسط حرب شائعات، ومنها الشائعة التي تمّ تداولها عن إصابة الرئيس بشار الأسد برصاص مرافقه.
في هذه الفوضى، أو الزلزال – وفق توصيف الأسد ذات يوم – يبدو "حزب الله" في مرحلة خطرة. فهو يواصل دعمه اللامحدود للنظام، لسببين:
– اولاً، لأنه لم يفقد الأمل بنجاته واستعادته السيطرة على سوريا، ويجد أن من المبكر الإنسحاب من الأزمة السورية والعودة إلى "الحضانة اللبنانية".
– ثانياً، لأن إنخراطه العسكري مع النظام بات عميقاً، ولأن دعمه لقوات النظام في البقعة الحدودية مع لبنان بات حاجة إستراتيجية، خصوصاً إذا كانت سوريا مقبلة على تكريس مناطق نفوذ. وفي هذه الحال، سيكون النظام في حاجة ماسة إلى دور عملاني فاعل من حليفه اللبناني في سوريا… ولبنان.
بناءً على هذه الرؤية، يمكن النظر أيضاً إلى المأزق السياسي – الدستوري القائم في لبنان. فحلفاء سوريا، و"حزب الله" عمودهم الفقري، لن يغامروا بلعب أي أوراق قبل أن "يضمنوا رؤوسهم" في سوريا. لن يمنحوا خصومهم في لبنان وسوريا، مجاناً ومن دون مبرِّر، حكومة وإنتخابات وتعيينات يريدونها. وهم يفضلون إضاعة الوقت بالتفاصيل المملة، لعلّ الغموض الذي يحجب الرؤية فوق دمشق يتبدَّد، ومعه يعرفون: هل يُبقون "رِجلاً في البور اللبناني ورِجلاً في الفلاحة السورية"، أم يعودون بكليّتهم إلى لبنان؟
الخطر الأكبر يكون في الآتي: في المعمعة، قد يفقد "حزب الله" القدرة على تحديد التوقيت المناسب للخروج من الملف السوري. وقد يصبح أيضاً في وضعية يستحيل الخروج منها. وهذا سيكون كارثياً، لأنه سيحقق الشعار القديم الذي رفعه الرئيس حافظ الأسد، ولكن "في النار". "نارٌ واحدة في دولتين"… متهاويتين!
الجمهورية