اللغز القطري – موناليزا فريحة – النهار


بقدر ما نجحت قطر حتى الان في فرض رؤيتها على التغيرات التاريخية التي تشهدها المنطقة العربية، ازداد دور هذه الامارة الصغيرة الغنية غموضاً، وازدادت التساؤلات عن أهدافها وتطلعاتها.





كما في ليبيا ومصر، اضطلعت قطر بدور رأس حربة ضد النظام في سوريا. كانت الدولة الاولى تقفل سفارتها في دمشق، قبل أن تكر سبحة الدول الاخرى.سحبت دعمها الديبلوماسي لبشار الاسد بعدما فتحت له الابواب المغلقة أمامه في الغرب. ومذذاك، نزلت بثقلها خلف المعارضة السورية، واضطلعت بدور حاسم في حشد تأييد دولي للثورة، بتحويلها هواء "الجزيرة" عينا على عمليات القمع التي يمارسها النظام ضد شعبه. الا أنها في المقابل، أثارت حساسيات كبيرة حيالها في صفوف المعارضة، بدعمها فصائل على حساب أخرى، وترجيحها كفة قوى على حساب أخرى.


خالفت قطر التحفظات الغربية عن تسليح الثوار، ومدت أكثرهم تشددا بالعتاد والمال. انحازت بوضوح الى "الاخوان المسلمين" فوفرت لهم الحصة الكبرى في "المجلس الوطني السوري" أولا ثم في "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية". دفعت في اتجاه تأليف حكومة موقتة، خلافاً لرأي أحمد معاذ الخطيب. ولم تتوان عن دعم غسان هيتو رئيسا لحكومة موقتة، في مناورة انقلبت فيها على السعودية ومرشحها أسعد مصطفى.


ليست استقالة الخطيب بعد يومين من انتخاب هيتو الا انعكاسا واضحا للضيق الذي بات يسود صفوف المعارضة السورية. وقد أقر معارض سوري من قلب الدوحة بأن الخطوط الحمر التي تحدث عنها الامام السابق لمسجد الامويين ليست الا محاولة بعض الدول، وتحديدا قطر، السيطرة على المعارضة وفرض هيتو رئيسا للحكومة الموقتة. حتى أن ثمة من أدرج اعلان لؤي المقداد عدم اعتراف "الجيش السوري الحر" بهيتو في اطار التنافس الذي يعود الى الواجهة بقوة بين الدوحة والرياض.


منذ بدايات الثورة نشط المحور السعودي – التركي – القطري لاطاحة النظام. تعاملت الرياض مع النزاع السوري كحلقة في اطار صراعها الاوسع مع ايران، ورأت فيه أنقرة خطرا مباشرا على أمنها واستقرارها.أما حماسة الدوحة فبقيت بمثابة لغز، خصوصا أن سوريا لا تشكل جزءا من حساباتها الاستراتيجية المباشرة، ونزاعها المعقد استعصى على دول أكبر من قطر بكثير.


ليست جديدة الطموحات الكبيرة للامارة الصغيرة التي تتطلع حتما الى دور في رسم معالم منطقة قيد التحول. ولعل الابتسامة التي ارتسمت على وجه الشيخ حمد في قمة الدوحة أمس بينما كان يدعو أحمد معاذ الخطيب الى تسلم مقعد سوريا في جامعة الدول العربية، تعكس جانبا من هذا الدور الطموح والملتبس في آن واحد. ولكن عسى الا يغيب عن قطر وغيرها أن للشعب السوري الفضل الاكبر في هذا النجاح، ولو الرمزي، وان له وحده الحق في رسم مستقبل دولته.