رضوان عقيل – “النهار”: اثنان في الجمهورية اللبنانية غير السعيدة هذه الأيام، يعرفان الاسباب الحقيقية التي أدت الى استقالة الحكومة، هما رئيسها نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري، على الرغم من ملفي الازمة التي لم يعرف الوزراء الخروج منها، أي التمديد للمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء أشرف ريفي وتأليف هيئة الاشراف على الانتخابات.
بدأت “علامات” تطيير الحكومة منذ صباح الخميس الفائت وقبل الجلسة المسائية في القصر الجمهوري التي احالت سلسلة الرتب والرواتب على مجلس النواب بعد مخاض عسير وعشرات التحركات التي نفذتها هيئة التنسيق النقابية.
وللدلالة على اشارات الايام الاخيرة من عمر الحكومة الميقاتية، سأل أحدهم رئيس المجلس مساء الخميس عن مسألة تتعلق بمجلس الوزراء، فرد عليه: “طول بالك يا رجل لتبقى الحكومة وبعدها لكل حادث حديث”.
لم يأت كلام بري من فراغ، لأنه عرض بنيان الحكومة مع رئيسها في الاجتماعين المطولين في روما، على رغم انهماكهما بحادث الاعتداء على المشايخ الاربعة في خندق الغميق والشياح.
ولبري معرفة تامة بظروف استقالة الحكومة، لأنه “يعاين صحتها” منذ ولادتها وصولا الى الاجتماع الذي جمعه وميقاتي قبل ظهر أول من أمس في عين التينة، والذي خرج الثاني منه من دون الإدلاء بأي تصريح ولو من باب الاطمئنان الى جسم الحكومة الذي انهكه أكثر من “مرض”.
لا يريد رئيس المجلس الخوض في تفاصيل استقالة ميقاتي على قاعدة ان غداً يوم جديد وخصوصاً في ظل الاوضاع الامنية المتدهورة في طرابلس والتي تكاد تقبض على الحياة اليومية للمواطنين، الى درجة تدفع ميقاتي الى الاستفسار عن هذه الحوادث والاشتباكات المتنقلة في خطوط تماسها، من دون ان ينسى متابعة ما يحدث على الحدود السورية في الشمال وهو في العاصمة الايطالية.
يردّد بري في مجالسه امس ان الرئيس ميقاتي تعرّض لضغوط عدة و”حمل اثقالا كبيرة” أدت في النهاية الى خيار الاستقالة.
ولم يحدد الاول نوع هذه “الاثقال” سواء كانت داخلية أو خارجية او كليهما معاً.
ويقول هذا الكلام في حق ميقاتي، فيما إنتقده أكثر من نائب في 8 آذار لإقدامه على الاستقالة التي فاجأت البعض عند طرفي الصراع في البلد، لأنهما لم يتوقعا هذه النهاية لحكومة كانت تحظى بدعم لبناني لا بأس به وبغطاء اميركي واوروبي وعربي مقبول لا يعارض شخصية ميقاتي على رأس حكومة تضم “حزب الله”.
ماذا عن الغد؟ وما هو السبيل الذي سيلجأ اليه بري لإعادة الروح الى المناخات الحوارية بين الأفرقاء، والتي كانت مفقودة في حدها الأدنى في عهد الحكومة الميقاتية، وخصوصاً بعد اغتيال اللواء وسام الحسن وتعليق جلسات الحوار في القصر الجمهوري برئاسة الرئيس ميشال سليمان؟ هو يدعو من موقعه على رأس السلطة التشريعية الى ولوج طريق الحوار مجدداً، ويطلق هذه الدعوة الى الجميع، من دون أن يتخطى موقع سليمان.
ويتوجه عبر “النهار” الى قوى 14 آذار بالقول: “على حد علمي أنهم كانوا يطالبون بإقالة حكومة ميقاتي ويقدمون شروطاً من نوع التشديد على الاستقالة للمشاركة في الحوار. أقول لهم ان الطريق مفتوحة يا اخوان الى الحوار برعاية الرئيس سليمان”.
يطلق بري هذه الدعوة التي لم ينسقها بعد مع رئيس الجمهورية، علماً ان هذه الفكرة كانت قد راودته وسجّل نقاطها على أجندته قبل سفره الى روما ومشاركته في الاحتفال بتنصيب البابا فرنسيس.
اما اليوم بعد استقالة الحكومة التي تلقاها كل طرف في 8 و14 آذار على طريقته، فان بري يدعو الى حصر جدول طاولة الحوار في بعبدا ببندين دون سواهما:
– موضوع الحكومة، وهو لم يدخل في شكلها وعدد مقاعدها وبيانها الوزاري او اسم رئيسها، وإن يكن يميل الى حكومة وحدة وطنية تجمع كل الافرقاء من الضفتين.
– قانون الانتخاب والبحث في هذا الاستحقاق واتمامه.
ولهذه الاسباب، فان بري يفضّل ان تعقد جلسة حوار، ولو واحدة، قبل البدء بالاستشارات النيابية “وفي النهاية الامر يعود الى فخامة الرئيس وأنا لا استبق ما يريد ان يقدم عليه”.
ويهدف من طرح الحوار قبل الاستشارات الى ترطيب الاجواء بين الافرقاء واشاعة اطمئنان في صفوف المواطنين الحائرين والخائفين على الوضع الامني في طرابلس وغيرها من المناطق. وما يخشاه بري هو الغرق في الاستشارات اذا لم تكن قاعدة التوافق مهيأة لتأليف الحكومة الجديدة، وخصوصاً في ظل الاوضاع غير المطمئنة وغير المشجعة في الشارع.
قديماً قيل “الحق على الطليان” وبعد استقالة الحكومة سيقال “فتش عن روما” التي كانت الشاهدة على كواليس ما دار بين بري وميقاتي.