داخل السراي الحكومي وعلى طاولة مجلس الوزراء وفي كل إطلالة تلفزيونية وبين سطور كل مقابلة صحافية، نجيب ميقاتي هو هو، سياسي لم يفقه ملاحقة الحصانة التي كرسته أمام الناس والوطن رئيس حكومة مسؤول، لم يلاحق الحصانة ولم يسعى الى تعزيزها يوما!!
إختار نجيب ميقاتي دوما الطرق السهلة، أتعب دوائره الإعلامية ومصادره من كثرة خطابات الندامة والتبرير وكثرة البحث عن الحجج الواهية التي انتهت به في لحظة الحقيقة سياسيًا بلا حصانة، وهذه المرة بالمعنى السياسي والعملاني للكلمة بعدما أصبح رئيسا سابقا بفعل إعلانه استقالة حكومة "كلنا للوطن".
فرص كثيرة أضاعها الرئيس نجيب ميقاتي ليُثبت للبنانيين عكس المواقف المسبقة التي أطلقوها ساعة الإطاحة بالرئيس سعد الحريري وتسميته خلفا له، رفض وضع النقاط على الحروف فكان ذوبان منصب الرئاسة الثالثة بالتنقيط!!
إختار لعبة الوقت الضائع فضاع الوطن في مستنقعات التأجيل، حيث روائح الصفقات المشبوهة والقبيحة التي حولت الحكومة من فريق عمل الى شركات خاصة مضاربة على الوطن!!
إختار اشاحة بصره عن تعديات السلاح السائب، فغدت الجمهورية جمهوريات والدولة دويلات مسلحة غير معلنة !!
استخف بثورات العالم العربي وجزم باستحالة وصولها الى سوريا فأدمت الجسد اللبناني شظايا مكيدة "النأي بالنفس" !!
مشكلة نجيب ميقاتي أنه طوباوي في وطن الشياطين، والمشكلة الأكبر عدم اتعاظه ووعيه بهذه الحقيقة الا بعد اضاعة كل الفرص التي لا يمكن بعدها لأي لبناني ذاق نحو سنتين عجاف الدفاع عنه أو التعاطف معه أو حتى التذرع بالواقع الميليشياوي المقيت الذي لم يبق إلا هذا الرجل خيارا وحيدا في مقابل شر مستطير كان يخطف الوطن الى معامل ودهاليز القمصان السود!!
فما جرى أن نقل تسويف نجيب ميقاتي وإصراره على الخطأ مشهد القمصان السود من شوارع العاصمة بيروت الى طاولة مجلس الوزراء علنا ودون تخفٍ، فتحولت المؤسسة الى معمل لتعليب المشاريع الفتنوية الجاهزة، دونما انتباه الى الاقتصاد المنهار، ودونما مراعاة لأسئلة الناس وهواجسهم، مع تقصد استعمال العقلية الانتقامية في كل مرة تقترب فيها الاستحقاقات والمحطات من معانقة الوطنية !!
مشكلة نجيب ميقاتي إدمانه للازمة "المخلّص" وتعوّده على الإطلالة بمشهد البطولة على أنقاض الأزمات العبثية والحروب الفاشية لحكومة التقاسم والمغانم، وجنون جنرال ضال لفظته الميادين السياسية المتهالكة إلى مجلس وزراء يشبه عقليته الهيستيرية الى حد كبير!!
غصة نجيب ميقاتي خلال إعلانه استقالة الحكومة ليل أمس لم تكن دليل قوة، جاءت دليل ندامة كالعادة، وجاءت بصمة مؤلمة عن رئيس خرج كما حكم بلا حصانة !!