النادلة في مجتمعنا الشرقي: مهنة شريفة أم معيبة؟

خاص – بيروت اوبزرفر

تحقيق: زينة شقير – طالبة كلية الاعلام في الجامعة اللبنانية الدولية




اقتحمت المرأة كل الميادين، وتحملت في سبيل العيش بكرامة وحرية الكثير. لكن ثقة الأهل بها جعل لها دافع أساسي للمشاركة بالميادين الذكورية أما إذا لم يكن هناك ثقة بينهم فالمرآة تبقى أسيرة للعادات القديمة

تجرأت واكتسبت ثقة أهلها لاقتحام حتى الميادين الذكورية التي لم يسمح قط للمرأة اقتحامها ، كعمل نادلة في المقاهي والمطاعم الذي أصبحت ظاهرة تتنامى يوما بعد يوم، حتى غدت مظهرا من مظاهر انفتاح المجتمع وتحرر المرأة التي تمكنت من اقتحام جميع ميادين العمل بجرأة وثقة وجدارة أيضا. وبحسب رأي الباحثون الاجتماعيون صنفوا الظاهرة أنها تمظهر للتطور الذي يعرفه المجتمع الغربي، الذي يتجلى في تواجد المرأة في جميع الجبهات الميدانية للعمل، إذ أنها تتواجد داخل مجالات كانت حكرا على الرجال

يشهد مجال تقديم الخدمات تنافسا شديدا ويبتكر كل طرقا متنوعة وناجحة لاستقطاب الزبائن إليه، ويتنافس مهنيو القطاع في ذلك . في مجتمعنا لا يزال عمل المرأة كنادلة عيباً وعاراً من وجهة نظر كثيرين.

-يرى استاذ علم النفس الاجتماعي في الجامعة العربية المفتوحة حميد ناصر الدين ،بان تشغيل النادلات هي مسائلة نسبية وتختلف بين منطقة واخرى،نتيجة العوامل السابقة ،لكوننا نعيش مجتمع شرقي لازالت بعض العادات والتقاليد لا تشجع هذه الظاهرة ،لكن عمل النساء مسألة عادية وضرورية في المجتمعات النامية من اجل تحريرها الاقتصادي ولكي تاخذ دورها الطبيعي في اي عمل واختصاص تجده

يعمد كثير من أصحاب المقاهي إلى تشغيل الفتيات كنادلات بدل الفتيان لجلب أكبر عدد من الزبائن نظرا للربح الكثير الذي يجنيه من وراء ذلك، زيادة على أنهم لمسوا أن الفتاة لا تسبب في الغالب أي مشاكل لصاحب المقهى، كما أنها ترضى بالأجر الذي يعطيه رب المقهى لها ، حتى لو لم يبلغ الحد الأدنى للأجور، أجر في الغالب زهيد لا يمكن من خلاله العيش الكريم في ظل الظروف الاقتصادية الآنية، لولا أنه لا يدعم بالبقشيش الذي يتركه زبائن المقهى.اضافة الى أن الفتاة لا تجادل كثيرا فيما تعلق بالتغطية الصحية والضمان الاجتماعي ونظام التقاعد

وفي هذه الظروف تقبل ا النادلات العمل بالرغم من أجواء كثيرة ما تغلب عليها مظاهر من المضايقات من جانب الزبائن وأحيانا كثيرة من جهة أرباب المقاهي، لناحية التحرش الجنسي والابتزاز والضغط، وتنجح كثير من الفتيات في التعامل مع كل هذه الإكراهات بكثير من الصبر والحكمة حيث تستطعن فرض شخصيتهن كما تردنها أن تكون .

-"كمال حنينة"صاحب مطعم "ميزونات" يؤيد عمل الفتيات في المطاعم ويقول :" بان الفتيات أكثر لطفاً وهدوءًا في التعامل مع الزبائن وبأن الرجل يثور غضبه بسرعة ولا يتحمل اي تعليق من الزبائن، بينما المرأة تكون أكثر لباقة وهدوء وأقل إثارة للمشاكل.وهذا الأسلوب يجذب الزبائن والتردد دائماً إلى المطعم.

وفي جهة نظر اخرى مختلفة صاحب احدى المطاعم يقول : أنه يرفض توظيف نادلة في مطعمه لأن قدرتها على العمل لا تساوي قدرة الرجل في عمله ويعتبر بأن الفتاة العاملة هي فتاة عاهرة تستعمل جسدها لجذب الزبائن وجذب السمعة السيئة للمطعم وقال " ما بدي نام بين القبور وشوف مناماة وحشه" .

-اما الفتاة مريم المحمد والتي كانت قد استمعت للحوار الذي دار بيننا وبين صاحب المطعم قالت:" أن مهنة النادلة أصبحت فرصة عمل لا تعوض أي أن كثير من الشباب والشابات المتعلمين حاملين شهادات جامعية لا يعملون في مجال تخصصهم، وذلك لعدم توفر فرص العمل فلا تفتح امامهم إلا العمل في المطاعم". وهي تعمل في مطعم "ميزونات" في صيدا بالرغم من أنها لا تزال تتابع دراستها الجامعية في ألسنة الثانية بكلية الفنون التواصلية في الجامعة اللبنانية الدولية. وهي تعمل لتوفر المال الذي يجعلها مستقلة مادياً. واشارت إلى ما كان يزعجها من قبل الناس حيث أنها في بداية عملها كانت نظرات الناس إليها تزعجها، وكان أكثر ما يثير غضبها هو تحرشات بعض الزبائن ولكن مع مرور الوقت استطاعت إكتساب خبرة في مجال عملها. واضافت أيضاً أن بعض الناس لا يحترمون عمل النادلة مع أنه عمل شريف كأي عمل أخر فبعضهم يظنونها فتاة سهلا وكثيراً ما يعتقدون أنها تستغل مهنتها.

اما فادي طعمة صاحب مقهى "ديليشيوس كافيه" في بيروت أوضح لنا أن التعامل مع الفتيات أريح لأنهن لطيفات في التعامل مع الزبائن كما أنهن لا يسببن المشاكل لحرصهن على لقمة عيشهن، أما في ما يخص التغطية الصحية والضمان الاجتماعي فيِؤكد أنه صعب تأمينه لأن الفتيات لا يعمرن كثيرا في عمل واحد، فإما أن يتزوجن أو يبحثن عن فرصة شغل في مكان آخر نظرا لمعايير خاصة في نظرهن،و أحسن من شغلهن الحالي، فالنادلات تنتقلن كثيرا من مكان إلى آخر مما يشجع أصحاب المقاهي لتسوية أوضاعهن بالاصل

 

لارا طارق، فتاة تعمل نادلة في أحد المقاهي في صيدا، تعلق على سلوكيات بعض النادلات وأسباب تدهور سمعتهن: الناس لا يحترمون عمل النادلة مع أنه عمل شريف كأي عمل آخر، فهم يظنونها فتاة سهلة وتعمل على حل شعرها وكثيرا ما يجزمون بأنها تستغل مهنتها لممارسة الدعارة، وتضيف لارا أن هناك فتيات يسرن على هذا النهج سامحهن الله حتى أنهن شوهن سمعة النادلة، وتؤكد أنها استطاعت أن تجبر زبائن المقهى الذي تشتغل فيه على احترامها، وتضيف أن أي فتاة تستطيع فعل ذلك بالصبر وصد أي محاولة لتخطي حدود الأدب والاحترام دون أن تغيب اللطف والابتسامة المهذبة وذلك ضروري لأنها تضمن الحفاظ على البقشيش، طبعا الأجر الذي تتقاضاه النادلة قليل جدا لكن البقشيش يسد الحاجة والله بيسرها ، الجميع من يعمل مع لارا من صاحب المقهى وكل الزملاء الذين تشتغل معهم يحترمونها ويتعاملون معها على كونها جزء من عائلتهم الصغيرة ، وذلك يعود إلى لطفها وصرامتها في كل ما خص الحشمة، الأدب والاحترام، تكتفت لارا بالقول أنها تعيش مستورة وتساعد أسرتها وهي بانتظار أن تأتيها فرصة لتتزوج فيها وتستقر، ولم تناقش حقوقها في التغطية الصحية والضمان الاجتماعي . وعن سؤال حول الإكراهات التي تواجهها تجيب لارا بعد ضحكة طويلة "كل ما تقرب مني شاب بغية التعرف علي قصد الزواج ما أن يعرف أنني أشتغل نادلة بمقهى حتى يغيب عني دون رجعة"، واتبعت كلامها بضحكة عمقها مرارة إنسانة تتمنى الانعتاق من حاضر فرض عليها فرضا.

نظرة المجتمع للنادلات تختلف من منطقة لمنطقة:

حسام البواب شاب يعمل نادلا في مطعم كنتاكي في مدينة صيدا، يرى أن نظرة المجتمع إلى النادلات تختلف من منطقة إلى أخرى، ففي الأحياء الشعبية حيث تكون المنافسة شرسة لجلب الزبائن، فكما يقال "بين كل مقهى ومقهى يوجد مقهى"، فتستغل الفتيات أبشع استغلال، فأغلبهن يشتغل نادلات ومنظفات في آن واحد، زيادة على التحرشات الجنسية التي بموجبها يتم الضغط عليها لمسايرة وإرضاء زبناء المقهى ، حتى أن الزبون يعمل على التأكد من تواجد نادلة في مقهى قبل أن يقرر دخوله، وإذا كانت هذه الأخيرة جميلة فهذا أحسن بكثير، وكثير منهم لا يهمهم لا جودة البن أو الخدمة، المهم لهم أن تكون النادلة جميلة ولعوبة، ولا ضير إن كانت مستعدة لتتساهل وتلبي جميع طلباته حتى وإن كانت خارج مدار المقهى الذي يتواجد فيه، أما بالنسبة للأحياء الراقية فالوضعية نسبيا أحسن يقول نسبيا لأن العقلية وسط المدينة أكثر انفتاحا بحيث يتقبل المواطن عمل النادلات كمهنة عادية وشريفة، هذا لا يعني أن الفتاة لا تتعرض للمضايقات والتحرش الجنسي سواء من الزبائن أو صاحب المقهى، هناك حالات كثيرة اضطرت معها النادلات لتغيير محل الشغل أكثر من مرة، وفيهن من تعرضت للضغط والتهديد والملاحقة واضطرت معها لمغادرة المدينة بأكملها. هذا زيادة على أن الأجر الذي تتقاضاه النادلة دون الحد الأدنى للأجور إضافة إلى ساعات العمل الكثيرة، بحيث أن النادلة ملزمة بالتواجد بمكان شغلها ومباشرة عملها ابتداء من الثامنة صباحا إلى السابعة مساء دون انقطاع

غياب ثقافة القانون :

يعتبرعمل النادلة في منطقة الجنوب اقل مقارنة بالعاصمة بيروت حيث أن مدينة بيروت تشهد نسبة عمل فتيات أكثر من الجنوب وذلك يعود إلى قلة الوعي الى المهنة ولازالت العادات والتمسك بها اكثر في الضواحي . وفي انتظار صحوة النساء النادلات ووعيهن بحقوقهن كاملة، يبقى الضمير الحي لبعض أصحاب المقاهي والمطاعم هو العزاء الأوحد، سواء معاملتهم الطيبة أو محافظتهم على الأمانة، ففي نهاية المطاف أعراض الناس أمانة، ولا أقبح من من استباح عرض إنسانة تخرج كل صباح باكرا تشمر عن ساعديها وتشد لقمة عيش كريمة، ولا أقبح من مشغل يبتز مستخدمته ويدفع بها إلى أحضان الرذيلة بيد وبأخرى ينهب نصف أجرها المستحق ليرمي إليها مبلغا ماليا مقابل خدمات منهكة جسدياً ونفسياً