توقفت الاوساط السياسية عند اعلان النائب العماد ميشال عون ان البديل الذي يقبل به غير المشروع الارثوذكسي هو لبنان دائرة واحدة مع النسبية، وفق ما جاء في مقابلة له على محطة "المنار" التابعة لـ"حزب الله". ولعل في مكان هذا الاعلان اكثر من دلالة بالنسبة الى الاوساط السياسية باعتبار ان لبنان دائرة واحدة على اساس النسبية هو المشروع الاساسي والاصلي للحزب، وذلك حين كان النائب عون اعلن في اللقاء الذي جمع الشخصيات المارونية في بكركي قبل ايام قليلة تمسكه بالارثوذكسي ورفضه ان يطرح هو او اي شخصية مارونية ممن ايدوا الارثوذكسي اي بديل منه، بل ان يترك للآخرين القيام بهذه الخطوة، ووقت امتنع ممثله في اللجنة النيابية الفرعية عن المشاركة في مشروع قانون على اساس مختلط يجمع النسبي والاكثري جنباً الى جنب مع عدم مشاركة ممثل "حزب الله" ايضا في المناقشة.
ورد الفعل المباشر الذي اثارته هذه النقلة النوعية لعون، انه، وبعد تأكده من فشل الارثوذكسي نتيجة عدم دستوريته وميثاقيته واتجاه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الى الطعن فيه الى جانب المعارضة القوية له ولفرز لبنان على اساس حكم ذاتي لكل طائفة من الطوائف، استعان بسلاح آخر وعاد من الباب الاوسع ليطرح مشروعاً يوفر النتائج نفسها للمشروع الارثوذكسي من دون العوامل الذي تؤدي الى الطعن فيه. والسلاح هنا بصيغته المجازية علماً ان له مفاعيل السلاح واثره في رأي الاوساط السياسية المعنية. اذ ان هذا الاقتراح الجديد القديم مرفوض ايضاً وفي شكل كامل من الطائفة السنية، كما من الحزب التقدمي الاشتراكي الذي لم يوافق الحكومة على مشروعها على أساس النسبية، علماً ان لا اشكالية دستورية او ميثاقية يمكن ان تثار حوله. الا ان المتوخى منه يثير اشكالية سياسية باعتباره يهدف الى قلب التكافؤ السياسي الموجود نسبياً في المرحلة الراهنة في مجلس النواب ونسبيا عبر موقع رئيس الجمهورية لكن من دون الحكومة. وهو يثير اسئلة كثيرة على قاعدة انه يبدو ان هناك اكثر من سيناريو وخطة يتم العمل عليها من اجل الوصول الى هدف وضع اليد على السلطة في لبنان في المرحلة المقبلة والامساك بكل مفاصلها، وانه يتم الانتقال من سيناريو الى آخر. وهذه الاسئلة تتفاوت بين الآتي:
اولاً: اذا كان كل ما يطرح هو لإثارة غبار ولإيصال البلد الى احتقان يمكن ان يهدد بالانفجار في اي لحظة فيتم تأجيل الانتخابات والافساح في المجال امام بقاء الحكومة التي يشكل "حزب الله" وعون عمودها الفقري بصلاحيات استثنائية شأنها شأن الحكومة التي ترأسها عون نفسه العام 1988 ويصبح في يدها صلاحيات اشتراعية كاملة. واحتمال تأجيل الانتخابات قائم منذ اشهر، لكنه يبدو اكثر فاكثر السيناريو الاقل كلفة و ضرراً وسوءاً في المرحلة الراهنة مع اقتراحات قوانين تسعِّر المشاعر الطائفية والمذهبية وتزيد الاحتقانات على ما جرى في الايام العشرة الاخيرة، بحيث وضعت البلد على شفير الانفجار الاهلي .
ثانياً، ثمة ما يلفت في تولي عون طرح الاقتراحات الانتخابية في التداول وعلى الطاولة وانكفاء حليفه "حزب الله" الذي يكتفي بدعمه كلياً. فمع وجود شكوك في مصلحة لعون في تطيير مفاعيل اتفاق الطائف الذي لم يوافق عليه اصلاً، وهو قال في حديثه التلفويوني على محطة "المنار" "ان المسيحيين اليوم يطالبون باستقلالهم بعد 24 عاماً من اتفاق الطائف" مما يعني انه في جو انقلابي ويدفع في اتجاه اعادة النظر في التركيبة السياسية وتغيير صيغة الحكم في هذه الظروف الاستثنائية، فان اوساطاً سياسية عدة تعتقد انه يلبي أجندة اخرى ايضاً. اذ ان هذا التغيير هو فرصة تاريخية للحزب ايضاً، من اجل تغيير المعادلة عبر غطاء مسيحي بحيث لا يكون هو في مواجهة الطائفة السنية التي بدت مستهدفة، ان في القانون الارثوذكسي او في الاقتراحات الاخرى كاقتراح لبنان دائرة واحدة على اساس النسبية نظراً الى معارضة تيار المستقبل لهذا الاقتراح اصلاً في حين يمكن "حزب الله" ان يلعب على وتر تأييد بعض الشخصيات السنية للنسبية من اجل تحجيم تيار المستقبل وشق صفوف الطائفة مما يزيد التوتر في البلد ويظهر ان هناك استهدافاً حقيقياً ومتواصلاً لما تمثله الحريرية السياسية.
ثالثاً: ان رد الفعل على ما طرحه عون لجهة اعتماد لبنان دائرة واحدة على اساس النسبية سيكشف ما اذا كان هناك دفع محلي فقط من اجل تغيير المعادلة السياسية الداخلية في البلد ام ان هناك دفعاً خارجياً ايضاً. اذ ان هناك انشغالاً واهتماماً بالعمل على قانون مختلط والانتقال الى تبني اقتراح عون واعطائه دفعاً كون بري يؤيده في الاصل ويمكن استرضاء النائب وليد جنبلاط عبره ايضاً من اجل الامساك بالمجلس النيابي وكل السلطات، اذ ان لائحة كاملة من 128 مرشحاً من قوى 8 آذار تناقض المذهبية الضيقة للمشروع الارثوذكسي وفيها تحالفات مسيحية واسلامية، في مقابل اخرى كاملة من قوى 14 آذار مع حكومة هي في يد الحزب حاليا في كل مواقعها من المرجح ان تؤدي الى اعطاء عون كامل التمثيل المسيحي اذا سلم له حلفاؤه بتسمية كل النواب المسيحيين مما يسمح له بالسيطرة على كل الحصة المسيحية في مجلس النواب والحكومة وتالياً على رئاسة الجمهورية. ويستطيع بذلك ان يحقق ما عجز عنه عام 1988، ثم في الانتخابات النيابية عام 2005، وحتى في انتخابات 2009 حيث لم يستطع ان يستحوذ على كامل تمثيل المسيحيين .
رابعاً: هل هناك مساع لدى "حزب الله" وحلفائه من اجل دفع الامور نحو تغيير جذري في لبنان في المرحلة الراهنة بالتعاون مع عون الذي لا يمانع فيها، بل يسعى اليها وتتقاطع مصلحته مع مصلحة الحزب او ربما يساعده فيها لمصالح خاصة له ويرى الفرصة مناسبة مع تغييرات كبيرة تحصل في الجوار اللبناني؟ اذ حتى الآن اعطى الحزب انطباعات انه مرتاح بما فيه الكفاية من خلال سيطرته على السلطة والحكومة في لبنان ومن خلال الحماية التي يشعر بها لنفسه ولسلاحه، وانه لا ينوي تعريض ذلك كله للخطر. وما يتولاه عون بالاصالة عن نفسه وبالتحالف مع الحزب يدفع الى السؤال اذا كان الحزب في وضع مختلف ويسعى اولا الى اجراء تغييرات انقلابية وان عبر الدستور، كما فعل بالانقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري من اجل السيطرة على البلد اولاً، ومن ثم تحويل الساحة الداخلية استباقاً لما يجري في سوريا او اسهاماً في مساعدة النظام في المدى المنظور، وانه يرى الفرصة التاريخية متاحة له بالانشغال الخارجي بسوريا وعدم ايلاء اي اهمية للوضع اللبناني، وتالياً عدم امكان اثارته اي ردود فعل تذكر.