جرت العادة أن تنتظر الأحزاب الأسابيع الأخيرة التي تسبق الاستحقاق الانتخابي لتعلن عن مرشّحيها في الدوائر الانتخابية. والمقصود هنا طبعاً الأحزاب المسيحية نظراً للتوازن الدقيق الموجود داخل هذه البيئة خلافاً للبيئات الأخرى التي تشهد تفوّق طرف رئيسيّ داخلها على الأطراف والمكوّنات الأخرى. وهذا الكلام يشمل بطبيعة الحال الأحزاب المسيحيّة في 8 و14 آذار وتحديداً "التيار الوطني الحر" و"القوات" و"الكتائب".
الاعتبار الأساسي الذي يدفع هذه الأحزاب لإبقاء باب الترشيحات مفتوحاً حتى اللحظات الأخيرة هو انتخابيّ بالدرجة الأولى، ويأخذ في الحسبان معطيين: الأوّل حزبيّ داخليّ لعدم التأثير على دينامية المرشّحين الذين يتمّ سحبهم، والثاني خارجي لقطع الطريق أمام المرشّحين المستقلين القريبين من هذا الحزب أو ذاك من تشكيل قوّة ثالثة تؤثّر فقط على نتيجة المعركة، خصوصاً أنّ الوقت كفيل بجمع المتضرّرين.
فعدا هذين الاعتبارين لا يوجد ما يحول دون الإعلان عن أسماء المرشّحين، والأسباب الموجبة لهذا الإعلان كثيرة، وأهمّها الآتي:
أ- إفساح المجال أمام المرشّح الحزبي أو المسمّى من قبل الحزب لتنظيم حملته وإثبات جدارته ومنح حزبه أصواتاً إضافية على القاعدة الشعبية الصلبة التي يتمتع بها هذا الحزب، خصوصا في ظل المنافسة الشديدة والفوارق الضئيلة بين الكتلتين المتنافستين. فالحزبيّ أو المنضوي في ائتلاف سياسي سيصوّت حكماً لمرشّح هذا الائتلاف، ولكنّ أداءه وحسن سلوكه يخوّلانه مراكمة مجموعة أصوات غير محسوبة، وبالتالي ما المصلحة من حرمان هذا الفريق السياسي أو ذاك من تصويت هذه الكتلة البشرية؟
ب- التعامل مع المرشّح بحدّ ذاته كونه قيمة مضافة وأنّه رافعة لحزبه، وتبديد أيّ انطباع بأنّ الاقتراع هو للآرمة الحزبية فقط، فيما ثمّة تكامل، بمعزل عن حجمه بين الآرمة التي تظلل المرشّح وتمدّه بالزخم الذي من دونه يفقد فرصة وصوله، وبين كفاءات الشخص الذي يتمّ ترشيحه والذي بإمكانه توظيفها لحجز مقعد لحزبه.
ج- إحترام الرأي العام المؤيّد للخطّ السياسي الذي تجسّده هذه الأحزاب، وذلك بعدم التعامل معه وفق قاعدة "تحصيل حاصل"، أي أنّه في ظلّ غياب الخيارات البديلة سيصوّت حكماً، انطلاقاً من حسّه الوطني، للمرشّح الحزبي، فيما تقديم المرشّح للرأي العام يجعله جزءاً لا يتجزّأ منه ويردم الهوّة المصطنعة بين ما هو حزبيّ وغير حزبي. فالرأي العام في نهاية المطاف شريك أساسيّ في إيصال هذا المرشّح.
د- حسم الترشيحات يقطع الطريق على المستنوبين، علماً أنّ من حقّ كلّ شخص الترشح، ويوحّد كلّ الطاقات باكراً خلف المرشّح الذي أفضت الآليات إلى ترشيحه، فضلاً عن أنّه يخلق دينامية حزبية الأحزاب بحاجة إليها لخوض معركتها وتجديد نفسها.
ه- إعلان الترشيحات لا يعني أنّ هؤلاء الأشخاص أصبحوا حكماً على لائحة الائتلاف، وهذا الأمر يجب أن يكون معلوماً مسبقاً، لأنّ حسم هذه الترشيحات يعود فقط للاتفاق السياسي-الانتخابي بين قادة هذا الائتلاف انطلاقاً من تقديرهم بأنّ تزكية فلان على "علتان" ترجّح كفة اللائحة، أو نتيجة اتّفاقهم بكلّ بساطة على توزيع المقاعد فيما بينهم. كما أنّ الترشيح يساهم في مسألة التزكية، وهو مسألة صحّية وديموقراطية وتمنح المرشّحين الذين لم يحالفهم الحظّ مزيداً من الخبرة.
و- من حقّ المرشّح الذي يتمّ استبعاده الاستمرار بترشّحه وفق تحالفات جديدة أو الانسحاب، وبالتالي من غير الجائز حرمانه هذا الحقّ بفعل عامل الوقت، هذا العامل الذي يصبّ في مصلحة الائتلاف العريض كونه يمكّنه من مواجهة أيّ مفاجآت شعبية ناتجة عن استمرار أحد المرشّحين في اللحظات الأخيرة للمعركة، فيما تهيئة الرأي العام تؤدي إلى خفض منسوب المفاجآت وتطويق هؤلاء المرشّحين بفعل الماكينات الحزبية والقدرات السياسية والإعلامية وغيرهما.
فلكي تستقيم العملية الانتخابية يجب إعلاء المساواة بين المواطنين تحت القانون، وخوض الانتخابات على أساس قانون انتخابيّ لا يعدّل عشية كلّ دورة، وإفساح المجال أمام الرأي العام للتعرّف إلى المرشّحين والاختلاط بهم والتواصل معهم.
ولكي يستقيم العمل الحزبي يجب أن تأتي الترشيحات الحزبية وفقاً لاختبارات واستفتاءات داخلية، تأخذ في الاعتبار معايير الكفاءة والنضال والاستقامة السياسية، الأمر الذي يشجّع النخب السياسية على الانخراط مجدّداً في العمل الحزبي الذي لا تستقيم دونه الديموقراطية، هذه الديموقراطية التي تبقى، ويا للأسف، غير مكتملة في ظلّ سلاح "حزب الله".