كيف تعرف بشار على أسماء.. بعد لندن كانا يلتقيان سراً في بيروت


  يروي الكاتب حسن صبرا في كتابه "سوريا: سقوط العائلة.. عودة الوطن" قصة توجه الرئيس السوري بشار الأسد إلى لندن للدراسة، عام 1992 وكانت هناك أوامر للسفارة السورية في بريطانيا ان تهتم بشؤون ابن الرئيس من جميع النواحي الجامعية والادارية وتحركاته وعلاقاته وسهراته واجتماعياته




كانت سحر العطري زوج الطبيب فواز الاخرس تعمل كمستشارة في سفارة سوريا في لندن، وتم توكيلها بمتابعة أمور ابن الرئيس الذي جاء يعد رسالة دكتوراه في طب العيون في إحدى جامعات لندن.

كانت عائلة الاخرس (الأب والأم والبنت أسماء) أدمنت الحياة البريطانية وثقافتها وسلوكياتها وعاداتها وتقاليدها، ودخلت أسماء أرقى مدارس لندن الثانوية وكانت تحمل فيها اسم ايمي، ولولا انها كانت تصرح بهويتها السورية – العربية – الاسلامية لما كان أحد من زملائها (فتيات وشباب) عرف انها ليست انكليزية.

وضعت سحر العطري ابنتها في طريق بشار الذي كان يدين لسحر وابنتها أسماء بالتعرف على طرق وأساليب حياة لم يكن ليعيشها في وطنه، وبدا ان أسماء الذكية سيطرت على الشاب ابن الرئيس الذي دفعته الظروف المأساوية بمقتل أخيه باسل، لأن يختاره والده ليخلفه في حكم سوريا بعد عدة سنوات (2000).

لم تتح وفاة حافظ الأسد لبشار ان يرث والده في السلطة فحسب، بل أتاحت له أيضاً أن يتزوج من أسماء التي كان الأسد الأب يرفضها زوجاً لابنه الوريث، رغم اعتراض السيدة أنيسة على ذلك.

كانت أنيسة ترى ان زواج بشار من فتاة علوية تختارها له سيتيح لها ان تحتفظ بلقبها سيدة سوريا الأولى، أما مجيء هذه الفتاة الانكليزية إلى قصر تشرين زوجاً لرئيسه فهذا يعني ان أسماء ستصبح هي سيدة سوريا الأولى، فضلاً عن ان زواج بشار من أسماء الأخرس سيعني ان سيدة سوريا الأولى ستصبح فتاة سنية ذات تربية بريطانية.

بشار وأسماء في بيروت

ظل بشار وأسماء يلتقيان سراً في بيروت في منـزل أحد أصدقاء الدكتور المقربين بعيداً عن أعين المراقبين، والمخبرين، وبطريقة لا تخطر على بال أحد.. طيلة سنوات هي الفترة الطويلة الفاصلة بين تعرفه على اسماء في لندن عام 1993 إلى حين زواجه منها عام 2002 بعد وفاة والده بسنتين، فلم يكن ممكناً ان يلتقيها في دمشق، ولم يكن متيسراً له ان يذهب إلى لندن دائماً ليلتقيها، فكانت بيروت التي هي إحدى مدن سوريا والاقرب إلى دمشق حيث يقيم من منـزل أهل أسماء في حمص، المكان المناسب الاكثر أمناً له كسوري، وأماناً له في منـزل الصديق، وكل من كان يرى سياراته عند مدخل عمارة الصديق كان يظن انه يزوره

زواج بشار من أسماء كان له في الداخل السوري دلالات كثيرة، فهو وجه رسائل عديدة من خلاله:

كان يريد القول للمجتمع السوري انه انسان منفتح على الطوائف الأخرى وعلماني لا تهمه الطائفية وانه يسعى لتوحيد المجتمع السوري.
أظهر هذا التحدي حساسية لأبناء طائفته من هذا الزواج، لأنهم كانوا يريدون له ان يتزوج فتاة علوية، لتكريس الصبغة العلوية على النظام.
نجحت رسالة بشار في البداية واستمر نجاحها طويلاً خاصة مع شخصية أسماء

ظل موضوع زواجه من أسماء فترة طويلة بين أخذ ورد في عهد الأب وبعد رحيله

كان بشار أبدى رغبته بالزواج منها.. ثم عندما تم صده من قبل الأب والأم، صرف النظر عنها لفترة.. وتوجه نحو حلب، حيث التقى فتاة حلبية هي هيماء الازهري وكان بصدد الاقتران منها..

في الحالتين كانت المصاهرة سياسية.. حمص أو حلب وهو كان يركز كثيراً على حلب، بتوجيه من والده..

لحساباته الخاصة لديه لم يتزوج بشار من ابنة الازهري في حلب، واختار ابنة الطبيب البريطاني من أصل سوري طامحاً للإفادة من شبكة علاقات في الغرب كان بشار يريد أن يطل من خلالها على الخارج ليفتح نافذة كانت دائماً مقفلة من جانب والده كما من جانب ساسة الغرب، والاخرس هو طريقها وكان هذا سبباً مرجحاً لهذا الاختيار ليساعد الرئيس القادم بعد ذلك لو أراد

قدم بشار نفسه بزواجه من ابنة حمص (أسماء) انه يريد عمل توازن داخل السلطة بين العلويين وبين السنّة وهم أغلبية الشعب السوري

وأسماء ساعدته بمظهرها وثقافتها، ورئاستها لجمعيات خيرية وإنسانية، لتلمع صورته أمام الناس. كان السوريون يتأثرون عاطفياً بهذه الصورة إيجابياً خاصة عندما كانوا يرونه متواضعاً في ملابسه حين يظهر بينهم ويتحدث إليهم ويزور مدنهم

رغم علاقته بأسماء في عهد والده، فإنه لم يتزوجها إلى ان رحل والده.
كان حافظ ضعيفاً جداً أمام أولاده.. رغم شراسته مع السوريين وكل من تعامل معه..

ولعل صدمة حافظ برحيل باسل، جعلته يركز على بشار فتساهل مع مطالب ابنه الوريث

تردد كثيراً ان عائلة الاخرس كانت تتجنب المصاهرة، وقيل أيضاً عكس ذلك، بأن عائلة الأسد لا تريدها.. فحصل شد وجذب حتى استقر الأمر بالزواج. نقل عن عائلة الاخرس انها رفضت بشار في البداية، خاصة الأب الذي نقل عنه انه لا يريد أن تنغمس ابنته في هذا المناخ السياسي.

وحاول إبعاد ابنته.. وربما يؤكد ذلك المدة الطويلة التي استغرقتها قصة الزواج بين مد وجزر، ولو كان الأمر عند اي عائلة أخرى وهي مقدمة على الزواج من ابن رئيس (سيصبح رئيساً فيما بعد) لسارعت إلى الارتباط مهما كان الثمن

الخوف من المستقبل، ومما يمكن ان يحصل مع بشار هو الذي دفع الأب الطبيب البريطاني للتحفظ والتردد.

اما ان يكون حافظ هو الرافض، فهذا مفهوم أول الأمر، لأنه يريد أن يحافظ على تماسك الطائفة معه ولا يريد أن يدخل في صدام معها، كان يريد علاقة مستمرة وثيقة معها

كان يرى ان المصاهرة العلوية تجعل السلطة قوية بالطائفة والعكس صحيح.
كان الأسد لصيق الاتصال بالطائفة ومشايخها عكس بشار الذي اشتكى مشايخ الطائفة من اهماله لهم، وقد تكلم مشايخ مع النائب عماد غليون، انه كان لا يمارس طقوساً معينة وكان لا يجتمع معهم، بينما كان حافظ (وباسل) يجتمع مع المشايخ ويمارس طقوس الطائفة الدينية والخاصة.

بعد زواجه كان توجه بشار الانفتاحي أكثر وضوحاً وهذا ما ساهم في إعطائه شعبيته في أوساط أخرى، مع السنّة ومع المسيحيين كان يبدو عليه البساطة والانفتاح والتواضع والمظهر الحضاري وانه ضد الطائفية

لذا كان مفاجئاً خلال الثورة انه داس بوحشيته كل هذه القيم.. وربما ما زال بعض السوريين يراهنون على بشار وانه سيتجاوز هذه الأزمة وسيقيم إصلاحات وسينقل سوريا إلى بر الأمان؟!

سقطت كل هذه الاوهام بعد إيغاله في الهمجية والتوحش بإرتكابه مجازر متعمدة ضد المدنيين في كل سوريا

انها الصورة نفسها التي كان ليبيون كثر يحفظونها عن سيف الاسلام القذافي، من انه مصلح وديموقراطي وسيعدل، وقد أحاط نفسه بمن صدقه بهذه الصورة، بأنه سيجري إصلاحات حقيقية، وسيخلص ليبيا من الظلم والعبودية والاذلال والقهر والقتل والفساد.. ومثلما كشفت ثورة الشعب الليبـي حقيقة سيف الاسلام الزائفة.. عندما خرج عليهم بعد عدة أيام من انتفاضة الثوار يهددهم بالقتل والسبـي، وانخرط في صراع مسلح كشف همجيته وانه ابن أبيه.

هكذا كشفت ثورة الشعب السوري حقيقة صورة بشار فإذا هو إرهابي مجرم متعطش للدماء، آمر بقصف أبناء سوريا بالدبابات والمدافع والصواريخ والطائرات والقنابل العنقودية.. مطلق العنان لتوحش عصاباته من رجال الأمن والشبيحة في قتل السوريين.

الكنة والحماة وبشرى السلفة

منذ مجيء أسماء الاخرس إلى منـزل بشار الاسد زوجاً له، نشأت أزمة في بيت حافظ الأسد طالت أرملته أنيسة مخلوف وابنته الكبرى بشرى، صحيح ان أنيسة مخلوف كانت نسياً منسياً في عهد حافظ، ولم تكن حتى لتجرؤ على الاقتراب من مكتبه حين كان يعمل داخله، لكنها على الاقل كانت تمثل الأم الرؤوم لجميع أبنائها الذين كانوا يحترمونها ويقدرونها وكم استفزها ان تسرق منها زوج ابنها لقب السيدة الأولى مثلما خسرت ابنتها بشرى لقب المتسلطة الأولى أيضاً.

ولعل أهم خدمة قدمتها أنيسة مخلوف لعائلتها، هي نصرة آل مخلوف (أشقاؤها وأولادهم) على آل الأسد من رفعت إلى جميل (شقيقا حافظ عما بشار وأولادهم وجماعاتهم) في مصالح المال والصفقات والتعيينات والوكالات التجارية. وآخر مهمة لأنيسة قبل أن يطوي اسمها النسيان هي انها ضغطت على بشار كي يمتنع عن فرض عقوبة على ابن أختها عاطف نجيب بعد المجزرة التي ارتكبها في درعا والاساءات التي ألحقها برجالها وكان كثيرون حوله يرون ان يضحي به لكن أنيسة منعته.

بشرى الثانية

كانت بشرى هي البنت الكبرى لحافظ، ولدت في اكتوبر/ت1 1960 وجاءت بعد رحيل شقيقة لها حملت قبلها اسم بشرى، وقد توفيت هذه عندما كان والدها منقولاً إلى الاقليم الجنوبي في الجمهورية العربية المتحدة (مصر).

وبشرى الثانية كانت ذات دالة كبيرة على والدها حافظ. لم ينافسها فيها سوى ابنه الاكبر باسل قبل مصرعه في ك2/يناير 1994، حتى ان بشرى صارت تعين وزراء ومسؤولين في مواقع متقدمة في السلطة التنفيذية ومنهم وزير التربية والتعليم في آخر سنوات حافظ

كثيرون علقوا على خيار بشرى هذا فقالوا: كانت التربية والتعليم في أدنى حالاتها قبل هذا الوزير، فأصبحت بعد توزيره في الحضيض

كانت بشرى متسلطة ولديها رغبة في التحكم، وهي مثل أبيها لم تكن تلتقي بالناس. ومع نجاحات بشار في مطلع عهده، من حيث الانفتاح على الناس خاصة من الطبقات الغنية في دمشق وحلب وبعض حمص، وتوجهه (شكلاً) نحو الحريات وإطلاق سراح بعض المعتقلين، وتخفيض لبعض الاجراءات الأمنية، أملت منها الناس ان تكون بداية للخلاص من الحكم الأمني، مع أمل بانتقال سوريا إلى مجتمع ديموقراطي حقيقي، كما أمل مثقفون في مطلع عهده عندما أطلق ما سمي بربيع دمشق الذي لم يستمر سوى عدة أشهر (فصل خاص عن ربيع دمشق ضمن الكتاب) فإن بشرى كانت أصبحت خارج الصورة نهائياً

لم يعرف الكثير عن أسماء الاخرس الأسد لأن الحديث عنها من المحرمات فالاعلام السوري لا يقترب منها والاعلام العربي يلحق الغرب في توصيفها، وما قدمه الاعلام الغربي عنها، انها فتاة بريطانية من أصل سوري، وأنها كانت تحمل اسماً أجنبياً عندما كانت طالبة في لندن ((ايمي)) وانها أنيقة ذات وجه بشوش وجسد ممشوق.

تعاقدت مع مجلات موضة أجنبية كي تظهر فيها صورة الفتاة العربية الحديثة، في دعاية واضحة لنظام بلدها، بل لبعلها الشاب دفعت مقابلها مئات آلاف الدولارات (وفق إحدى وثائق ويكيليكس).

أراد بشار من ظهورها توفير جانب من الدعاية الكبيرة له في الغرب الذي حرص بشار على استمرار صورته المقدمة عنه فيه كمصلح اقتصادي وذي حضور شعبـي عفوي ومتواضع

حرص بشار على اصطحابها في كل رحلاته إلى الخارج ولقاءاته مع رؤساء وملوك العالم

صحيح انه لم يعرف عنها الادلاء بأحاديث سياسية، إلا ان ما تسرب من نادر الكلام السياسي كان يؤشر إلى انها كانت تشجع بعلها على الانفتاح.

يقول الكاتب الفرنسي جون بول ماري في مجلة ((لونوفيل اوبسرفاتور)) 11/7/2011 تحت عنوان الديكتاتور بشار.. ومستر أسد

روى ملك اسبانيا خوان كارلوس في لقاء خاص، خلال رحلته إلى سوريا كيف أصبح قوياً بعد انقلاب فاشل قاده أنصار الجنرال فرانكو المتشددون، وكيف استغل الملك الاسباني الفرصة للتخلص من التطرف واعتماد الانفتاح الحقيقي في البلاد.

كان بشار يصغي بإهتمام لكلام الملك الاسباني وإلى جانبه أسماء تقول له بحماس، هذا ما عليك ان تفعله

كانت أسماء ترافق بشار في زياراته للمطاعم ويجلسان رأساً برأس حول طاولة صغيرة، يحييان الزبائن وهما داخلان، وكثيراً ما رافقته إلى المسارح والمتاحف.

وكتبت مجلة ((نيوزويك)) الاميركية في عدد 15/6/2000 نقلاً عن البروفيسور اوموندشوانبرغ الذي أشرف على تخصص بشار خلال عامين في مشفى بادنيفتون ان بشار الطالب السوري بخلاف عشرات من أولاد المسؤولين الاجانب الوافدين للدراسة في لندن فضل الاهتمام بالفنون والمتاحف على إضاعة وقته في الكازينوهات

لكن دخول أسماء حياة الأسرة قلب مقاييسها وعلاقاتها، فبشرى لم تعد ذات تأثير بوجود أسماء التي نجحت في السيطرة على بشار ليكون لها كلمة حاسمة في المنـزل الأسدي، وهذا ما انعكس على حالة أنيسة التي انكفأت عن أي مكانة لها حتى كأم، ومع مرور الزمن اصابها الوهن وانتقلت إلى القرداحة لتسكن قريتها التي اجتمعت فيها ذكرياتها مع راحلها.

وعانت أنيسة مثلما عانت بشرى بوجود أسماء، فبشرى التي كانت دلوعة حافظ الأسد، بدأت تواجه صداً من أخيها وزوجه أسماء، حتى انها اضطرت ومع تراجع دور بعلها آصف شوكت الذي أصبح في السنوات الأخيرة نائباً لوزير الدفاع حتى يمكن ترفيعه لرتبة عماد ثم عماد أول كما هي اكذوبة حافظ الأسد ليحتفظ برجاله في مناصبهم أطول وقت ممكن، للسفر احتجاجاً على اهمالها وإهمال بعلها إلى دبي لتكون في ضيافة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ستة اشهر ثم تعود دون أي دور لا في القصر الجمهوري ولا في الحكومة ولا في خدمة بعلها آصف الذي قتل في تفجير مكتب الأمن القومي يوم 18/7/2012. (وفيما بعد كشفت مجلة ((الشراع)) ان بشرى تركت سوريا وهي تعيش في دولة الامارات مسجلة أولادها في مدارس فرنسية في أبو ظبـي)

ولم يكن حال أنيسة بأفضل حال فهي حرمت من لقاء ابنها وأحفادها من أسماء الاخرس، حتى انه لم يعد يراها أو يزورها في منـزلها الذي لا يفصله عن مقر إقامة بشار سوى حديقة مشتركة إلا مرة في الاسبوع لتناول طعام الغداء معها، هذا إذا كان بشار في سوريا أيام الجمع، وفي أحيان كثيرة كانت أسماء تعتذر بحجة الاصابة بوعكة أو لانشغالها فلا تزور حماتها.

لقد بدا ان بشار ينتقم من والدته لأنها كانت ترى ان ماهر أكثر أهلية منه للقيادة. وجاءت أسماء لتحتل آخر مساحة كان بشار أبقاها في صدره وعقله لوالدته بعد ان التقت مصلحة الزوجين في قهر الماضي وطمسه