هذه أسباب تنامي التيارات السلفية



الأحداث الأمنية المتلاحقة والتي كان آخرها ما حصل في طرابلس على خلفية اعتصام الإسلاميين فيها احتجاجاً على استمرار توقيف مجموعة من رفاقهم في سجن رومية بلا محاكمات حتى الآن، ونجاة الوزير فيصل عمر كرامي من الاغتيال، تطرح السؤال عالياً أمام اللبنانيين مسؤولين ومواطنين، حول المسؤولية المباشرة وغير المباشرة عن تنامي هذه الحركات السلفية في لبنان منذ فترة غير قصيرة، ومَن هي الجهات التي تساهم في تقويتها على أرض الواقع؟ ومن له مصلحة في ذلك؟
للإجابة على هذه التساؤلات، لا بدّ من العودة بالزمن قليلاً إلى الوراء في محاولة لقراءة أسباب وصول الأوضاع الى هذا المنحى، ومَن يتحمّل المسؤولية المباشرة عن ذلك:




أوّلاً، إهمال الدولة المتعمّد، أو غير المتعمّد والمزمن للمناطق الفقيرة وذات الكثافة السكّانية المرتفعة مثل منطقة عكّار وجوارها حيث ينتشر الحرمان والبطالة في صفوف أبنائها عموماً، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.

ثانياً، تخلّي بعض الاحزاب والتيارات عن رعاية قسم كبير من شبّان تلك المناطق، سواء بسبب نقص الموارد المادّية (مثلما حصل مع تيار "المستقبل" في الآونة الاخيرة) أو بسبب شعور هؤلاء الشبّان بغياب التواصل الفعليّ والعمل مع دولتهم أوّلاً، ومع قياداتهم السياسية لأسباب متعدّدة ثانياً.

ثالثاً، التنكيل الذي شعر به أهالي هذه المناطق بزعاماتهم السياسية على مدى السنوات الماضية بدءاً بمحاولات التطويق السياسي التي كان يمارسها فريق 8 آذار بزعامة حزب الله وبمساندة النظام السوري ضدّ الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي كان يمثّل الزعامة السنّية المعتدلة والمقبولة في لبنان في آن معاً، وصولاً إلى اغتياله واتّهام المحكمة الدولية لأربعة عناصر ينتمون الى حزب الله بالجريمة وترفض قيادة الحزب تسليمهم حتى الساعة وتعتبر أنّها غير معنية بذلك.

رابعاً، إستمرار مسيرة التنكيل السياسي بالرئيس سعد الحريري، والاحداث التي جرت في 7 أيّار الشهير واعتبار الأمين العام لحزب الله السيّد نصرالله شخصيّا ذلك اليوم بأنّه كان يوماً مجيداً على رغم الدمار والخراب اللذين لحقا بمدينة بيروت تحديداً وبعض قرى الجبل والبقاع الغربي، إضافة الى الضحايا الأبرياء الذين سقطوا وقتذاك.

خامساً، الطريقة التي اُقصِي بها الرئيس سعد الحريري عن الحكم منذ قرابة السنتين باستقالة وزراء 8 آذار من الحكومة فيما كان يلتقي الرئيس الاميركي باراك اوباما في البيت الابيض، وتداعيات ما حصل لاحقاً في السياسة على ارض الواقع، ثمّ مفاخرة رئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون في اكثر من مناسبة بأنّه وفريقه السياسي قد قطعوا "وان واي تيكيت"  للحريري وأنّه بات من الصعب عليه العودة إلى لبنان.

سادساً، إستمرار طاولة الحوار طوال السنوات الستّ الماضية من دون التوصّل الى أيّة نتيجة، على الرغم من توافق مختلف أركانها على قضايا عدّة لم تنفّذ حتى الآن، واستمرار المراوحة في ما خصّ موضوع سلاح حزب الله في الداخل وتجميد البحث مراراً وتكراراً في مسألة الاستراتيجية الدفاعية، ثمّ الإصرار على الحوار من جديد وكأنّ شيئا لم يكن.

سابعاً، الدعم المباشر وغير المباشر، وعلى مراحل، الذي قدّمه النظام السوري للجماعات الأصولية وإرسالها إلى لبنان، والتي ارتدّت عليه سلباً في الداخل السوري الآن سواءٌ ما سمّي "فتح الإسلام" أو غيرها من الحركات، والتي حاول من خلالها إقامة "الإمارة الإسلامية" في طرابلس، واستطراداً في شمال لبنان بمساعدة حلفائه في قوى 8 آذار.

ماذا في النتيجة إذاً؟

في النتيجة تبدو واضحة مسؤوليّة كلّ من النظام السوري إقليميّاً، وحزب الله وعون محلّياً، ومساهمتهم جميعاً عبر ممارساتهم في تقوية التيارات السلفية في الساحة السنّية على حساب تيار الاعتدال وفقاً لمقولة "الضدُّ يُظهر حسنَه الضدُّ"

الجمهورية