قطاعي الزراعة والمواشي في العرقوب: الثروة المهملة – بلال نور الدين


 




لا يمكن أن نتحدث عن قضاء حاصبيا في جنوب لبنان دون أن نتكلم عن منطقة العرقوب. هذه المنطقة التي تقع عند السفوح الغربية لجبل الشيخ وبمحاذات الجولان السوري المحتل ،تمتد حتى حدود فلسطين المحتلة. تبعد هذه المنطقة حوالي 135 كم عن العاصمة بيروت ويبلغ عدد سكانها المقيمين مائة ألف نسمة بحسب الدوائر الرسمية. وتشمل العرقوب تسع قرى هي :" شبعا، الماري، حلتا،الهبارية، كفرشوبا، كفرحمام ،الفرديس، و راشيا الفخار ". وهي قرى يتراوح ارتفاعها ما بين ال700 متر الى ال1800 متر عن سطح البحر.

تتميز هذه المنطقة بتربة حمراء خصبة وموارد مائية هائلة فان إرتفاعها عن سطح البحر يعرضها لتساقط الأمطار والثلوج ما يجعلها منطقة غنية بالينابيع والأنهر والخزانات الجوفية. وبالتالي فإن هذه العوامل دفعت أبناء المنطقة للعمل في قطاعي الزراعة والمواشي.

لذلك تعتبر منطقة العرقوب منطقة زراعية من الدرجة الأولى بحيث تشكل المناطق الزراعية فيها حوالي ال75% من مساحتها الاجمالية . وذلك لأن أهلها يعتمدون على الزراعة وتربية الماشية لتأمين قوتهم اليومي .

تشتهر العرقوب بزراعة العديد من الأشجار المثمرة، وخاصة شجر الزيتون، والذي يعود تاريخ زراعته إلى العهد الروماني، انها موجود بكثرة في العرقوب ونجدها بكثرة في بلدات:" الهبارية ،الفرديس وراشيا الفخار".

إلى جانب زراعات أخرى كالكرز في شبعا وكفرشوبا مرورا بالتين وصولا إلى الإجاص وحتى القمح وغيرها الكثير من الحبوب والاثمار. بالإضافة إلى الإهتمام بقطاع الماشية والذي يشمل الأبقار والماعز والدجاج والدواجن المتنوعة التي تؤمن اللحوم والبيض اللبن لأصحابها.

وفي جولة على بعض قرى المنطقة بهدف الاطلاع على حالة قطاع الزراعة والمواشي التقينا الشيخ ابو حسب من بلدة الفرديس وهو ملاك للحقول المزروعة بمختلف انواع الاشجار المثمرة قال :" بان

مزارعي المنطقة يعانون من عدة مشاكل في ظل غياب وزارة الزراعة وخططها"، ابرزها حسب رايه:

1-ارتفاع اسعار المبيدات الحشرية والاسمدة ،

2- غياب اليد العاملة التي تحرث الارض مما ادى الى زيادة الاعباء على كامل المزارعين ،فأضحى ربحنا بسيط .

بدوره "عصام نور الدين" صاحب احدى معاصر الزيتون في بلدة الهبارية ،يشكو من غياب الاسواق لتصريف الانتاج الزراعي بأكمله والزيتون تحديدا.

ويلوم نور الدين الدولة على السماح باستيراد الزيت من الخارج مما يؤدي الى تكديس الانتاج المحلي لدى المزارع وهذا ما يدفعه الى البيع باي سعر بهدف التخلص من الفائض لديه. هذه السنة كان سعر صفيحة الزيت مئة دولار ،ولكن في ظل الاستيراد من الخارج فأننا نتوقع انخفاض السعر الى ثمانين دولار للصفيحة ،وهذا امر خطير نحذر منه خاصة وان بيع الزيت مصدر رزق اساسي ورئيسي لأهل المنطقة والمعروف عن زيت العرقوب أنه من أجود أنواع الزيوت والمطلوبة العالمية، وتتمتع بمواصفات عالية توازي تلك التي تتمتع بها زيوت دول أوروبية موجودة على البحر الأبيض المتوسط كإيطاليا مثلا ،وهو يباع في عدد من الأسواق المحلية ويصدر إلى بعض الدول الكبرى ككندا. ومن المعروف أيضا أن عنب المنطقة يستخدم لتصنيع أجود أنواع النبيذ كما ويتم استخدام الكثير من الفاكهة لتصنيع المربى والخل وغيرهما.

على صعيد قطاع المواشي :

يقول محمد فارس من بلدة شبعا ان التهميش والاهمال من قبل الدولة امر اعتدنا عليه كأصحاب مواشي، ويطالب فارس الدولة بالتعويض عن الخسائر السنوية التي تلحق بالرعاة ومن جراء نفوق الماشية بسبب العوامل الطبيعية وتحديدا الصقيع ،ومن جهته يقول السيد "حسن عبد العال" من قرية حلتا، وهو صاحب مزرعة للدواجن "ان الدولة اعدنا عبر دعما لأسعار الاعلاف بنسبة ثلاثين بالمئة لكن ذلك يبقى غير مجد في ظل الاسعار المرتقبة .

ويقدر عدد المواشي اليوم بحوالي الخمسة ألاف من كل الأنواع في حين أنه قبل عقدين كان العدد يقدر بحوالي المئة وعشرين ألف. فعلى سبيل المثال، كان يوجد في كل بيت بقرة أما اليوم فتكاد الأبقار تنقرض.

وإلى جانب تلك المشاكل، فهناك مشكلة الأمراض التي تصيب الأشجار المثمرة، كعين الطاووس الذي يصيب الزيتون وحشرة الصندل التي تصيب شجر الصنوبر وغيرها. وهي تقضي على رزق المزارع في حال لم يتم التعامل معها بشكل علمي. هذا دون أن ننسى العوامل الطبيعة التي تقضي على المواسم وتؤدي إلى نفوق المواشي.وتحديا لهذه الظروف المناخية والجغرافية إستطاع أبناء المنطقة تحويل الأراضي الجرداء إلى سهول عبر تجليلها وزرعها بأشجار إستطاعت أن تتأقلم مع طبيعة المنطقة.علما أنه في شبعا لم ينمو سوى الكرز والخوخ ونبتة شرش الزلوع المنشطة جنسيا.

ومع هذا كله يبقى هناك مشكلة في الوعي الزراعي عند سكان المنطقة.

وحول غياب الوعي الزراعي عند المزراع العرقوبي، فيضع المهندس الزراعي غيث معلوف من بلدة راشيا الفخار المسؤولية على الدولة" لأنها لا ترشد المزارع على كيفية وضع الأسمدة والمبيدات وكيفية التعامل مع الأدوات الزراعية".

 

اما عضو هيئة أبناء العرقوب مرهج نجم ، يعتبر أن الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 والذي إستمر حتى العام 2000 ومن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي حصلت في تلك الفترة ومازالت ، لغياب خطة واضحة من قبل الدولة لدعم قطاعي الزراعة والمواشي أدى بسكان المنطقة إلى النزوح أو الهجرة بهدف تأمين لقمة العيش فتحولت الزراعة إلى قطاع ثانوي. ويرى نجم أن التحرير عام 2000 ساهم في إعادة تفعيل الزراعة." فبعد التحرير تم إنشاء التعاونيات الزراعية التي قدمت بعض المساعدات، لكنها بقيت خجولة في ظل غياب الدولة "اما رئيس التعاونية الزراعية في شبعا إبراهيم صعب الذي يؤكد الحاجة لدعم التعاونيات في المنطقة ويناشد الدولة التدخل سريعا لمساعدة المزارعين وأصحاب المواشي كي نبقى في أرضنا ووطننا". وفي موضوع المواشي ، يشير صعب إلى أن "هناك توجه لبعض سكان المنطقة لإنشاء مزارع للدواجن ولو أن ربحها غير كبير".

 

وعن دور نقابة المزارعين في المنطقة، يؤكد عضو نقابة المزارعين اللبنانيين في حاصبيا ومرجعيون رياض خليفة أن "النقابة تقوم بكل ما في وسعها لدعم المزارعين، وهي قدمت لهم بعض المساعدات وتدافع دائما عن حقوقهم وستفعل كل ما في وسعها من أجل ذلك".

اما بالنسبة لدور البلديات، فهو ضعيف من جراء غياب الكادر الفني عنها وغياب المشاريع المتعلقة بالزراعة عن أجندتها وإتجاهها للإهتمام بقضايا البنى التحتية كالطرقات.

إذا فإن مشاكل قطاعي الزراعة والمواشي في العرقوب كثيرة و لابد من تدخل الدولة لوضع خطة ما لحلها. على أن تأخذ الخطة بعين الإعتبار خطوات عدة يذكر منها: تقديم الإرشاد الزراعي والدورات التوجيهية للمزارعين حول كيفية الإهتمام بمزروعاتهم .

تقديم الأسمدة والمبيدات والأعلاف بشكل مجاني أو شبه مجاني خاصة بعد إرتفاع أسعارها بسبب الأزمة السورية التي أدت إلى توقف إستيراد المواد المطلوبة. وأيضا تقديم الشتل والبذور المؤصلة وإعطاء القروض الزراعية للمزارعين. ومن جهة ثانية ، تأمين الفحص الطبي للمواشي ما يخفف الأعباء المادية على أصحابها. ذلك دون أن ننسى التعويض على المزارعين وأصحاب المواشي المتضررين بسبب العوامل الطبيعية. كما وانه من الضروري أيضا وضع خطط للإستفادة من مياه المنطقة عبر إنشاء السدود، إضافة إلى العمل على إيجاد الأسواق لتصريف الإنتاج الزراعي والحيواني.

لا بد من أن تنظر الدولة إلى مزارعي العرقوب بشكل منصف. ومن الضروري أيضا أن يتم الإهتمام أكثر بقطاعي الزراعة والمواشي ،خاصة أنه إذا ما حصل ذلك فإنه سيؤمن الدخل لحوالي ال 60% من العائلات وسيعيد سكان المدن إلى قراهم للإستقرار فيها من جديد.كما وأن ذلك سيجذب أنظار المستثمرين إلى هذه القطاعات وغيرها وبالتالي تحريك العجلة الإقتصادية وخلق فرص عمل جديدة مما سينعكس إيجابا على الإقتصاد الوطني. بإختصار،فإن قطاعي الزراعة والمواشي في العرقوب ثروة يجب على الدولة الإستفادة منها والإهتمام بها بدلا من إهمالها.