رئيس مجلس النواب نبيه بري يؤكد أن الطائفة الشيعية التي يشكل مع "حزب الله" الزعامة "الأحادية" فيها تريد اجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري المحدّد، وانها مستعدة للبحث في كل الاقتراحات بغية الاتفاق على مشروع قانون انتخاب جديد يسمح لكل الطوائف والمذاهب اللبنانية باختيار نوابها في حرية، ويُقنع كلاً من الفريقين السياسيين اللذين يختصران تمثيلها السياسي بأن امكان خروجه من المعركة الانتخابية بغالبية واضحة موجودة. هذا ما يسمعه قريبون منه، فضلاً عن الذين يحضرون مجالسه. وكي يكون اكثر إقناعاً لسامعيه وتالياً للبنانيين فانه يطرح أمثلة تؤكد موقف الطائفة التي يتزعم مع "الحزب"، والذي يقوم على الانفتاح والتوافق واحياناً الاجماع. المثل الأول يوم زاره النائب السابق ايلي الفرزلي مع وفد من "اللقاء الارثوذكسي" لشرح مشروعه لقانون الانتخاب ولمحاولة إقناعه به، أو اعطائه فرصة. كان تعليق بري بعد استماعه الى الفرزلي الآتي: "ان في مشروع قانون الانتخاب الذي وضعتم والذي تسوّقون له حالياً ثلاثة اضلاع: الاول، لبنان دائرة انتخابية واحدة. وهذا الأمر على رأسي اذ انني من الدعاة لهذه الدائرة ومن زمان. والثاني، النسبية. وهي ايضاً على رأسي لأنني اطالب بها من زمان ايضاً. أما الضلع الثالث اي أن ينتخب ابناء كل طائفة ومذهب نوابهم فاسمح لي بأن أقول أنه ليس على رأسي بل على مكان آخر…" أثارت جدّية بري يومها حميَّة المجتمعين للنقاش. فكان جواب بري الاخير لهم: "انا لست مع الضلع الثالث من مشروعكم، ولن امشي به أو أسوّق له اذ لن اسجّل في تاريخي السياسي والوطني خطوة أراها تمهّد للتقسيم. وخطورتها تنبع من كونها تُطرح في ظرف اقليمي خطير حيث الانقسام المذهبي والفتنة المذهبية في الذروة. لكنني وكي لا يقال انني المعرقل، وبما ان لبنان مكوّن من طوائف ومذاهب وكل منها يعيش خوفاً على نفسه، أُبلغ اليكم انني كنت دائماً مع التوافق حول كل المشكلات والقضايا الشائكة، ولا أزال. ولكن في موضوع خطير كهذا انا اطلب الاجماع كي ينتقل مشروعكم من الطرح الاعلامي والنظري الى البحث الجدي في مجلس النواب مع مشروعات القوانين الاخرى المطروحة. والمقصود إجماع مسيحي".
وهنا يضيف القريبون من الرئيس بري، أن موقفه المفصّل أعلاه من مشروع اللقاء الأرثوذكسي لا يختلف في الجوهر عن موقف حليفه "حزب الله" على الأقل في النظرة الايجابية الى لبنان دائرة واحدة والى النسبية، الأمر الذي يجعله قابلاً للبحث في اوساط قيادته وإن من دون الارتباط سلفاً بموقف نهائي منه سلباً او ايجاباً.
اما المثل الثاني الذي يعطيه بري، استناداً الى القريبين منه، عن تمسّكه بالتوافق الداخلي شرطاً لأي موقف أو لأي موافقة على مشروع قانون انتخاب او أي مشروع قانون آخر بأهميته، فهو ما حصل في الدوحة عام 2008 عندما استضاف امير قطر "ديوك" السياسة اللبنانية او أمراءها او… في محاولة لملء فراغ رئاسة الجمهورية وكان بدأ، ولتلافي فراغ نيابي. اذ في اليوم قبل الأخير من اجتماعات هؤلاء زار امير قطر حمد بن خليفة الرئيس بري في جناحه "الفندقي" وقال له: "انك تُفشِل الاجتماع (أو أفشلته). وانا سأدعو الى مؤتمر صحافي في السادسة من مساء اليوم لأعلن الفشل، لكنني لن اسمّي المتسبِّب به". فردّ بري ضاحكاً على الامير "الظريف" في رأيه: "يكفي ان توعز لأحد الصحافيين بسؤالك عن مُسبِّب الفشل لتذكر اسمي". بعد ذلك وفي اثناء تناول طعام الغداء في احد مطعمي الفندق انتقل رئيس الحكومة القطرية حمد بن جاسم الى طاولة بري، وتحادث مع نواب كانوا معه، وسأل اذا كان هناك امكان لمتابعة البحث. فأجاب بري الذي كان صامتاً: "قرّب واحكي معي". وحصل تفاهم واستؤنفت المباحثات. وبدأ الدخان الابيض يطلع وخصوصاً بعدما زار امير قطر العماد ميشال عون في جناحه. فاتصل النائب علي حسن خليل برئيسه بري وأبلغه الاتفاق، ولكن مستهجِناً تقسيم بيروت (الاشرفية وحدها) فسأل بري: "هل اتفقوا كلهم؟" ولما أتاه الجواب بالايجاب قال: "نوافق، نحن لا نمشي ضد التوافق".
طبعاً بين الـ2008 واليوم لم يتغيّر الرئيس بري ولا يزال يسعى الى التوافق مع "شوية" تفاؤل. لكن العالم العربي تغيّر ودوله صارت ممزقة أو على شفير التمزّق. وانعكس ذلك على لبنان "المشلّع" اساساً. فهل ينجح في "اجتماعات اللجنة النيابية الخاصة" بين 8 و15 كانون الثاني المقبل في إقناع "الديوك" كلهم بالتوافق؟ لننتظر الجواب.